رغم التاريخ الطويل لظاهرة الإرهاب باشكاله المختلفة في مسيرة البشرية ،إلا أن منعطف الاهتمام بهذه الظاهرة الإنسانية ظهر بجلاء بعد هجمات 11ايلول 2001 ضد الأراضي الأمريكية لأسباب كثيرة ومعقدة يتعذر حصرها هنا.
المهم في الأمر ؛ أن هذا الاهتمام تجلى على شكل معالجات كثيرة بداية من وسائل الإعلام اليومية وليس انتهاء بالدراسات الأكاديمية. مع الإشارة إلى أن جل الإهتمام ذهب بإتجاه الجوانب السياسية والتوظيف السياسي الرسمي الذي يمثل الأطراف الفاعلة من الدول. ورغم ذلك فأنه من المتفق عليه بين الباحثين والدارسين للظاهرة ان حصيلة الإنتاج لم تكن نوعية ولا كافية لا بل يغلب عليها السطحية والاسفاف والتوظيف السياسي المباشر ذو الطابع الأمني والعسكري.
هذا على الجانب السياسي؛ أما على الجانب الثقافي والادبي خاصة؛ فإن الحصيلة أكثر قتمامة وفقرا. إذ ما يزال الإنتاج الأدبي العالمي ( في الرواية، المسرح، القصة، الشعر، السينما والتلفزيون) يعاني من سيطرة "التابو" والتهميش والتحيز والسطحية في تناول كافة جوانب الظاهرة خاصة أسبابها ودوافع الارهابين ودراسة شخصياتهم في العمق.
وأعتقد بأن السبب الرئيس في ذلك هو خوف السلطات الرسمية في الدول من "شرعنّة العمل الإرهابي" كوسيلة سياسية ثورية لتحقيق الأهداف السياسية. ولذلك يتم شيطنة الإرهاب، ونزع صفة الإنسانية عنه، والحط من شأن الإرهابي ووصفه بأقذع الأوصاف والصفات : مجرم، وحش متعطش للقتل والتدمير، منحط، مريض نفسيا، جاهل، متطرف دينيا أو قومياً ، عدمي،فوضوي، مهوس جنسياً... الخ.
وهكذا يتم بناء آلية " التابو" اي تحريم حتى فكرة الاقتراب والتعاطي مع الإرهابي عن قرب لدراسته على أقل تقدير.
مع ضرورة الإشارة إلى أن الدراسة لعقلية الإرهابي لا تعني فقط آلية مكافحة الإرهاب المعاصرة القائمة على فكرة الحوار المباشر والمناصحة رغم أهميتها أحيانا.
ومن نافل القول بأنه هكذا تم تناول شخصية الإرهابي في مجمل الإنتاج الأدبي خاصة الأوربي، منذ القرن الثامن عشر في الرواية والمسرح والسينما ،بداية من ثلاثية فيدرر دوستوفسكي الشهيرة ( الجريمة والعقاب، الشياطين، والاخوة كامازروف) إلى الفرنسي ألبير كامو خاصة مسرحيته ( القتلة العادلون). وليس انتهاء بروايات الكاتب الأمريكي المعاصر/ دون ديليلاو، وسلسلة طويلة من أفلام هوليوود الأمريكية.
هذا على الجانب الغربي الأوروبي؛ أما على الجانب العربي فأنا لا أزعم أني مطلع على الادبيات الموجودة- هذا ان
وجدت أصلا- ولذلك فلن اعطي حكما معياريا أو قطعياً حول اصالتها وعمقها المعرفي وكيف تناولت ظاهرة الإرهاب رغم أهميتها وخطورتها في عالمنا العربي.
وهذا امر قد نعود له بشكلٍ خاص في مقالٍ آخر.
لكن تبقى الفكرة التي أرغب بايصالها من كل ما ذكرت، هي: بما ان الأدب والثقافة والفنون تعكس المحتوى الثقافي لأي أمة أو مجتمع، فأنه حتما يفيد ويساعد في فهم ظاهرة الإرهاب وعقلية الإرهابيين. ومن هنا فان الأدب العالمي؛ والعربي بشكلٍ خاص بكل أشكاله يمثل اليوم أكثر من أي وقت مضى وسيلة تنويرية مهمة ونافذة بديلة تمكن الأدباء والفنانين في كافة المجالات والمستويات من القاء المزيد من الضوء على ظاهرة الإرهاب العالمي المعاصر بهدف فهمها بعمق لإتقاء شرورها.