فقاعة "الإعلام البديل" .. ملف سياسي وأمني بامتياز
وليد شنيكات
27-04-2022 01:19 PM
في ظل التغول الهائل الذي يكتنف المشهد الإعلامي في منصات التواصل الاجتماعي اليوم بما تمثله من نمط جديد في استهلاك المعلومات، ومحاولة لكسر الأسوار واقتحام التابوهات أمام النقاش العام على صفحات الانترنت، أنت معني بأن تبحث عن جهة تستقي منها اخبارك الصحيحة لا الملفقة.
أيضا، شئنا أم أبينا، فقد تحولت فقاعة "الإعلام البديل" الى ملف سياسي وأمني بامتياز، ومصدر قلق يحتاج التعامل معه الى أدوات خاصة لا تستدعي اثارة البلبلة وفتح جبهات جديدة الكل في غنى عنها بل ينبغي الخروج بأقل الخسائر، بعيدا عن لغة الانتقام والنيل من منجز مهم أصبح اليوم واقعا لا يمكن التخلص منه في ظل عالم افتراضي يرفض الوصاية.
في العموم، شكّل هذا النوع من الإعلام الخاطف صداعا مزمنا للحكومات المتعاقبة يضاف الى الملفات التي تديرها، وباتت عاجزة عن الوقوف في وجهه أو مجاراته، وصار لاعبا مهما ويساهم الى حد ما في بقاء او رحيل هذه الحكومة أو تلك، وقد تعرض رؤساء وزارات كثر لانتقادات قاسية عبر هذه المنصات، وكلما حاول رئيس حكومة فتح هذا الملف أو حتى الإقتراب منه جوبه بحملات مضادة، وصار في نظر الجميع عدو الإعلام والحريات الأول، مما يضطره الى الانسحاب وترك الساحة.
حكومة عمر الرزاز مثلا حاولت مرارا الالتفاف على "الاعلام الافتراضي" عبر التشكيك المستمر في جدوى التعاطي معه واعتباره خطرا على القيم الوطنية والاجتماعية "ومصدر حصري" لبث الاشاعات، من خلال اطلاق منصة "حقك تعرف" بهدف نفي الاشاعات وتقديم البديل الصحيح من وجهة نظرها، الى جانب اقامة المسابقات الترويجية مثل مسابقة "صدقني"، غير ان كل هذه المحاولات على أهميتها باءت بالفشل، وعلى العكس ذهبت منصات التواصل الى حد التهكم والتندر من اسلوب الحكومة في الدفاع عن قراراتها والمعلومات التي تنشرها من خلال نشر اخبار مغايرة لاقت آذانا صاغية عند السواد الأعظم من الناس.
حتى أن جلالة الملك شخصيا شكا من محتوى منصات التواصل، وكتب مقالا مطولا في هذا الشأن تناول خلاله الأخطاء التي تنشر في هذه المنصات. ".. فحين نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نصطدم أحيانا بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكانا للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء". يقول جلالته.
ثمة بون شاسع بين التجريب والتخريب وبين الرأي والفضفضة العقيمة التي لا طائل منها، فساحة الحرية الالكترونية مصانة طالما ظلت في حدودها المسؤولة، وهي أيضا الضمانة للحيلولة دون الفوضى، أمام تيار الأخبار الجارف الذي غالبا ما تحوم الشكوك حول مصداقيتها ويغيب عنها في كثير من الأحيان الالتزام بالثوابت الإجتماعية والوطنية.
خلال الفترة الماضية سجلت قضايا عدة بحق ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي بعضها وصل الى قاعات المحاكم اتهموا بالاساءة الى شخصيات سياسية واعلامية، واشهرها رئيس الوزراء بشر الخصاونة نفسه، لكن سرعان ما تم التنازل عن هذه القضايا، بضغط من المنصات نفسها و "الاعلام الحليف" وتدخلات بعض الاطراف، وهو ما يشير الى ان الاقتراب من هذا الملف ما زال محفوفا بالمخاطر وله هيبته ورهبته.
بيد أن الخصاونة يرى ان "بعض وسائل التواصل الاجتماعي أساء إساءات متكرّرة دون وازع قانوني أو أخلاقي أو قيمي وبما لا يتماشى مع قيم المجتمع الأردني، غير انه يعتبر غالبها يحمل مضامين خيِّرة وطيِّبة وناقدة بموضوعيَّة".
أيضا، ورغم جائحة "السوشال ميديا" المدوية يبقى للصحافة الورقية رونقها وحضورها، وتظل الأعلى كعبا، مهنية ومصداقية وهي ما انفكت تحوز على ثقة الناس فيما تنشر من أخبار تلامس همومهم واوجاعهم اليومية، بما تقوم به من دور مهم في اثارة النقاش الرصين والجاد في المسائل المهمة، ولا زالت تشكل ساحة لانتاج ثقافة الاشتباك الهادئ وهو ما يفتقر اليه "الإعلام الافتراضي"، التي تعتمد في الغالب الاثارة والبحث عن الشهرة السريعة، ذلك ان الجدية والمصداقية عاملان اساسيان في قضايا الاعلام.
ما بين الصحافة المطبوعة واعلام "السوشال ميديا" الصارخ دخلت "المواقع الالكترونية" على خط المنافسة، وحازت اهتماما واسعا وحققت نسبة زيارات عالية في وقت قصير، وباتت مؤثرة ولاعبا اساسيا في تشكيل الرأي العام، ونهضت كذلك بمقاربة تسير في مسارين متوازيين، تنحو نحو الشعبوية الحذرة واستقطاب الجمهور المتعطش لخبر "الفرفشة" ونشر الاخبار العاجلة بدون رتوش من جهة، وعدم الانجرار الى دائرة "صحافة الشوارع" من جهة ثانية.
عموما، التحدي أمام الصحافة الورقية كبير وهو ما يدفعها الى ايجاد انعطافة وازنة في معالجاتها ورؤيتها الإعلامية ونوعية الاخبار التي تطالع بها قراءها، وفي نفس الوقت ثمة حاجة قوية للحفاظ على سلامة النقاش العام على الإنترنت حتى نفيد ونستفيد.