في ثوابت الولاء وضوابط الموالاة
د.طلال طلب الشرفات
26-04-2022 01:07 PM
الموالاة خيار سياسي يستند إلى موقف الشخص أو الحزب من القضايا العامة وإسناد السلطة التنفيذية في تبني تلك السياسات أو القرارات أو التشريعات ودعمها في البرلمان والرأي العام، والموالاة ظاهرة سياسية تنشأ عن التوافق أو الوفاق أو الشراكة، وهي حالة متغيرة في الأنظمة البرلمانية وعراك ديمقراطي يتغير ويتبدل وفقاً لطبيعة الشراكة أو عوار قد يصيب التوافق، ويأتي غالباً عندما تتبدل الأغلبية البرلمانية أو يتم فض الشراكة مع الحكومة على أسس سياسية او برامجية.
ويبدو أن ثمة خلط غير مبرر تمارسه النخب السياسية الأردنية في تحديد مفهوم الموالاة للحكومة كمفهوم سياسي وربطه غالباً بالولاء لمؤسسة العرش، فالموالاة للسلطة التنفيذية عقد سياسي تبرمه الأحزاب وأطراف العملية السياسية في البرلمان وتحدد التزاماته ومضامينه الرؤى المشتركة للقضايا العامة في حين ان الولاء خياراً فطرياً اخلاقياً والتزاماً سياسياً يتجاوز الرؤى السياسية ولا يقبل الاجتهاد؛ تقرره احكام الدستور ولزومها على كافة الأردنيين في الموالاة والمعارضة على حدٍ سواء، ولا يمكن ان يكون الولاء الا لجلالة الملك باعتباره رأس الدولة وحامي الدستور، وأن مناط المعارضة والموالاة خارج سياق الولاء لا تجد أساسها الأخلاقي والسياسي والدستوري الا في طبيعة العلاقة مع الحكومة فقط، والتي اخضعها الدستور لكل أوجه المحاسبة السياسية والجزائية ووفق المعايير الدولية في هذا الشأن.
والحقيقة، وفي ظل غياب العمل البرلماني الحزبي البرامجي _ الذي يحدد البوصلة الفعلية للسلوك السياسي حتى الآن _ فإن النخب السياسية التي مارست أدواراً في الحكم وعلى الأخص في المواقع السياسية التي أسهمت السلطة التنفيذية في استدعائهم إليها أن ينسجموا مع أخلاقيات تلك الخيارات، ويمارسوا أدواراً وطنية تليق وتنسجم معها، وترسّخ مفهوم الموالاة الحقيقية بتجلياتها السياسية والوطنية داخل تلك المواقع أو خارجها على حدٍ سواء، ومغادرة مساحات الوقيعة والسلبية التي لا تليق.
رزانة سلوك النخب السياسية ونضجها وإدراكها لحدود وضوابط وتوقيت واساليب النقد متطلب سابق للإصلاح السياسي وشرط مهم للولوج بمضامين الحداثة والتطوير، والموقع العام يرتب مسؤولية وطنية على شاغله حتى بعد مغادرته ذلك الموقع تكريساً للثقة العامة بهذا المسؤول أو ذاك، سيما وأن فكرة الحياد السلبي أو الانقلاب على مفهوم المسؤولية العامة تشوّه الثقة العامة وأخلاقيات السلوك السياسي التي تشكّل عماد الفكر السياسي الرصين.
لا يروق لي المشهد العام في المواقف المفصلية المتعلقة بالشأن الوطني، ولا أحبذ فكرة الحرية المطلقة في توصيف المشهد السياسي أو الاقتصادي، ولا يليق بالساسة المحترفين أساليب الوقيعة والنميمة السياسية، والسياسي الذي يغادر الرصانة وضوابط المسؤولية الوطنية يشكل عبئاً على رفعة المؤسسات وحوكمتها، ويعيد إلى الأذهان مخاطر السطحية المؤسسية ومنافذ الأنانية الشخصية والنرجسية المقيتة في تقدير مصالح الوطن العليا التي لا يجوز المساس بها بأي شكل من الاشكال.
في ظني أن المرحلة القادمة ستلفظ كل هذه المظاهر ولو بشكل تدريجي حتى نصل إلى مستوى التحديات الوطنية ورؤى جلالة الملك في التحديث والتطوير للوصول الى الحكومات البرامجية التي تغادر مساحات الاجتهادات الشخصية والمصالح الضيقة إلى أفق الوطنية الرحب.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الطيب وقائدنا المفدى من كل سوء..