قبل 25 سنة عشنا اياماً صعبة كأيام رمضان الحالية..عدا الحرّ والعطش وساعات النهار الطويلة..فإن وسائل التسلية قليلة جدا..
***
ما ان يطلع النهار حتى يبدأ الذباب والبرغش بمشاغبتك في العريشة او في البلكونة ، يمشي على ذراعك حيناً، أو يندس تحت اللحاف «برادة» حيناً آخر، أو يقترب من بقايا السحور على اصابعك حتى يحرمك من النوم الطويل..فتضطر أن تصحو وتمارس فعل» المطوَحَة» والتمدّد تحت المراوح السقفية مثل «طرح الناقة» طوال النهار..
أكثر الألعاب شهرة وتداولا كانت «السلم والحية»..ترمي حجر النرد وتعدّ الأرقام على رقعة اللعب..واذا أعطى شريكك في اللعب زفيراً طويلاً طارت الأوراق عن الرقعة وبدأت من جديد..أو اذا داس أحدهم على طرف «فرشة الاسفنج» ازيحت الأوراق عن مكانها واختلفت الحسابات وتبدأ أيضاَ من جديد..ناهيك عن الحيّة الحمراء التي ترقد على الرقم 98..من ان تصل حتى «تلقطك» وتنزلك الى الدرك الأسفل من اللوحة..بصراحة هي اكثر لعبة مضجرة لعبتها بحياتي..واعتقد ان مخترعها اكثر انسان ممل في التاريخ..ولو اعرف انه لا يزال على قيد الحياة ..لحرضت زوجته ان ترفع عليه قضية «خلع» والرسوم سأدفعها كاملة من حسابي الخاص..
وقت الظهيرة كنت اتسلّى بالعداد «ابو الشلن» ، عبارة عن مربع بلاستيك مرصوص عليه مربعات بلاستيكية صغيرة ، كل مربع يحمل جزءاً من جسم الرسمة ، عند شرائها يحمل العداد بالعادة صورة مرتبة لحيوان ما ..تقوم انت بتحريك المربعات لتعيد تشكيل الصورة بمهارتك...من بعد صلاة الظهر الى اقتراب أذان المغرب «افحّج» باب بيتنا الكبير..عيناي جاحظتان «اعضّ» على لساني وأصابعي تلعب بالعداد..يومياً طيلة 30يوماً وانا على نفس الهيئة..»عيون جاحظة»..لسان»ابيض معضوض»..ووجه شاحب..واصابع مشغولة بترتيب الصورة..حتى كان يعتقد بعض السيّارة أنّني اعاني من «توحّد» او «شلل دماغي»..وكنت اسمع بعض العجايز المارات من حيّنا كيف يتحسّرن على حالتي متهامسات : « حوينة هالصبي..مثل الليرة».. المشكلة أنني لم انجح ولا مرة بإعادة الصورة الى وضعها الأصلي..
الآن..انترنت، مواقع،فيس بوك، ..اتاري..1000مسلسل على 600 قناة عربية..ومع ذلك لا ترى من ابنك سوى «كعب رجله»..طوال النهار رأسه مغمور بوسادة..وجسده ملفوف باللحاف مثل»حبة الدوالي»..وكلما طلبت منه ان يصحو ليوحد الله ويعيش يومه .. ردّ عليك من تحت ثلاث ظلمات: « هسّع بلعن اللي هه»..
ahmedalzoubi@hotmail.com
الراي