احتاج الامر لموجة حر غير اعتيادية تَعْبُر المنطقة والبلاد لنكتشف بان (ازمة المياه) عند خطوطها الحمراء, ليست مسألة تتعلق بالمستقبل انما هي قائمة فعلا. وازمة اليوم, وغد وبعد غد.
سببان يقفان خلف هذه الازمة الاول: سوء تخطيط وادارة وقلّة اموال وهذه تغطي ربع المشكلة. والآخر: اسرائيل وهنا لا اتجنى ان قلت بان ثلاثة ارباع اسباب وجود ازمة مياه في الاردن هو هذا الكيان الصهيوني الغاصب لكل شيء, الارض والمياه وحتى القدرات والامكانات الوطنية.
عن السبب الاول ابدأ بالتذكير ان اول الوعود الحكومية بتنفيذ مشروع الديسي كان في عام 98 ، عندما كان الرأي العام لا يزال تحت تأثير صدمة تلوث المياه في عمان. هناك تأخير 12 عاما عن البدء بالمشروع, والاسباب ليست مالية ابدا, انما سوء تخطيط وتردد في اتخاذ القرار.
وفي هذا الاطار ايضا, لا يمكن اغفال حقيقة ان هناك تقصيرا في وزارة المياه تجاه تصليح الشبكات والاعطال. وهو تقصير لا تتحمله وحدها, انما كامل الحكومات منذ سنوات طوال. فلقد تم ربط مسألة توفير الاعتمادات المالية لاصلاح شبكات المياه بالمساعدات الاجنبية خاصة الالمانية, فيما نام المسؤولون على وسائد من حرير وهم يتحججون بقلة الموارد المخصصة في الموازنة, في الوقت الذي شهدنا فيه مئات الملايين تُرصَد وتُصَرف على برامج (َتحَوّل) ومشاريع اخرى خاسرة من دون ان ترمش عيون الحكومات ولا وزراء ماليتها. فقط كان العجز يُصَوّر كغول كاسر عندما يتعلق الامر بالمشاريع الحيوية الاستراتيجية مثل مشاريع المياه واصلاح الشبكات.
أما السبب الاخر لضائقة المياه التي يتعرض لها الاردن فهي اسرائيل.
في عام 1964 ، قام الكيان الصهيوني باختطاف نهر الاردن, هذا النهر العظيم الذي سُمّي الاردن باسمه تَحوّل بين يوم وليلة الى انابيب تجر مياهه بعيدا, واحدة الى صحراء النقب من اجل الاستيطان وتبريد مفاعل ديمونة النووي, واخرى الى تل ابيب حتى تتنعّم نساؤها بالمياه العذبة للاستحمام بعد قضاء الاوقات السعيدة في بحر حيفا ويافا وتل ابيب.
بعد ان جفف هذا الكيان الدخيل, بحيرة الحولة, قام بسرقة نهر كامل من نتائجه سلب مياهنا التي حبتنا بها الطبيعة, اضافة الى الاسراع في جفاف البحر الميت, وفي آخر المطاف رضينا (بسلام) مع هذا الكيان لم نَسْتَعدِ فيه النهر, انما حصة متواضعة من مياه طبريا, ولم توضح الحقيقة كاملة, عندما تجاهل المسؤولون اخبار الرأي العام بانه مقابل مياه طبريا, اعطيناهم او (أجَّرْناهم) آبار منطقة وادي عربة (الاعذب في الاردن) لاستنزافها على زراعات اسرائيلية نادرة الانتاج تدر عليهم الملايين!!
واسرائيل, وراء موجات الهجرة والتهجير الناجمة عن قيام كيانها الغاصب وحروبها المتواصلة ضد الاردن. موجات ادت الى مضاعفة عدد سكانه (12) مرة عن المستوى الطبيعي, وهذا كله القى أعباءً هائلة على مصادر المياه في البلاد. وعندما اعلن الاردن طرح مشروع بناء مفاعلات نووية من اجل تحلية المياه وانتاج الكهرباء, وقفت اسرائيل ضده, الى ان نجحت عند ادارة اوباما, في رفضها قيام الاردن بتخصيب اليورانيوم الموجود في ارضه, وهي تريد من الاردنيين اخيرا, شراء اليورانيوم بعد بيعه باسعار تثقل موارده المحدودة وصولا الى اجبارنا على استيراد عبوات المياه للشرب.
ليس عندي حلول كي اطرحها في مواجهة الضائقة المائية, ولكنها مناسبة لالقاء الضوء على كارثة وجود اسرائيل في جوارنا, واحزن عندما استذكر اغنية فيروز وهي تشدو لنهر الاردن وجسور العودة عليه, فالنهر الذي منه جاءت هوية الاردن, في الحاضر والتاريخ, لم يعد موجودا في منطقة تزدهر فيها مشاريع تغيير الهويات.
taher.odwan@alarabalyawm.net
العرب اليوم