لكم كانت المفاجأة كبيرة عندما تفقدت (وقتي على الفيسبوك)؛ هذا التطبيق الادماني العجيب، الذي أمسى أفيون الشعوب، هو - وربما وغيره - زاد عن حد الادمان والمعاقرة الى حدود الضياع والندم.
في تلك الخاصية التي اعتبرها جرس انذار وتنبيه لكل مستخدم لهذا التطبيق، وجدت اني امضي وقتا لا بأس به يوميا على الفيس، وكان المعدل اليومي في الاسبوع الثاني من رمضان اكثر منه في الاسبوع الاول، بل أكثر من ضعفه، ربما لأن الاسبوع الاول كنا فيه أكثر التزاما من الثاني، واكثر تعبا ايضا اذ لم نعتد وقته على الصيام بعد. كما ان معدل الوقت في الليل اكثر منه في النهار لذات الاسبوعين، ربما لأن نهار الصيام له دور في ذلك، خلافا عن ليله - حيث ان الاكل والشرب يشجعان على اللهو وقراءة الفيس اكثر منه في دوخة الصيام.
كما ان عدد مرات الدخول للفيس في الأسبوع الثاني تبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف عدد مرات الاسبوع الاول، ربما لأن الاسبوع الاول كانت المسابح بأيدينا أطول مدة من مثيلتها على اجهزة الخلوي، فالفتور بالطاعات يزداد بالرتابة ومرور الوقت والاعتياد - مقارنة مع بداياتها، مثلها كمثل من يشتاق لمياه خليج العقبة الباردة بعد ان قطع الطريق الصحراوي الطويل الجاف، فما ان يكاد يصل اليه يمضي يومه الاول بالماء سابحا حبا وشوقا، ثم بعد ذلك تخبو شهيته للماء تدريجيا الى ان يغادر. لذا كانت ليلة القدر في العشر الاواخر منه لكيلا تخبو جذوة العبادة في آخره.
معلومات احصائية مهمة دفعتني لإعادة النظر في ترتيب اوقاتي على الفيس - ربما متأخرا، ولكن ادارة الفيس لم تترك هذا ايضا، ففي ايقونة ادارة الوقت، يمكننا برمجة اوقات للراحة لا يتم فيها استقبال التنبيهات، ليلا او نهارا او اياما وحسب رغبة المستخدم، فيتم الخروج التلقائي من التطبيق عندما يحين وقت الراحة، او على الاقل ارسال تنبيه يغطي الشاشة بأن وقت الراحة قد حان - فاترك الفيسبوك حالاً.
ومع هذا كله، قد يتخطى المرء كل هذه التنبيهات والاشعارات بالتخفيف من وقت استخدامه للفيسبوك، ويستمر بالاطلاع مهملا كل ما من شأنه انقاذه من ضياع الوقت فيه. قد يكون هذا هو حب الفضول لمعرفة جميع اخبار الناس الى اخر شريط الاخبار - الذي لا نهاية له، فجميع هذه التنبيهات والمحاولات من ادارة الفيس ما هي الا مثل تحذير ترك الدخان المطبوع على علبة السجائر بشكل لافت، لكنها لا تغني ولا تردع احدا من الاقلاع عنه.
لا أدري لماذا ذكرتني هذه الخاصية في الفيس بما سيكون عليه حساب البشر في يوم القيامة - مع فارق التشبيه، حيث اننا حتما محاسبون على اعمارنا وشبابنا فيما افنيناها، سيقال لأحدنا مثلا لقد أمضيت ثلاث ساعات يوميا باللهو لم تذكر الله فيها، وامضيت ساعتين في مجلسٍ لا داعي له، ودخلت على موقع معين بضع مرات لترى حاجيات لم تكن بحاجة لها، وهكذا، تماما كما يبلغنا الفيس بوك حاليا بمدد وعدد مرات الدخول اليه ولكن بدون حساب - بل للتذكير فقط.
مقصد القول؛ اذا كان وقتنا على الفيس بوك محسوب بدقة من قبل القائمين على ادارته وكذا عدد مرات الدخول، فكيف بحالنا يوم الحساب الأعظم، وكل كلمة محسوبة كذلك، فالأمر جد خطير لا تهاون فيه، اننا سنحاسب على كل دقيقة منذ ان بلغنا سن الرشد ولغاية الممات، ماذا فعلنا فيها ولمن كانت، فتخيلوا كم سيطول الحساب، وكم سيكون صعبا، وكم سيكون ثقل صفحات صحائفنا - التي ندعو الله ان تكون بأيماننا لا بشمائلنا.
خلاصة القول؛ ما دامت هذه هي الحياة دقائق معدودة، وما دام هذا هو رمضان أياما معدودات، وكليهما يسير بحساب الهي دقيق، فمن باب أولى ان نراعي ما سيكتب بصحائفنا بدقة متناهية - ما أمكن، تماما كما يجب ان نراقب حركاتنا ودخولنا واوقاتنا المهدورة في صفحات كتاب الفيسبوك اللامنتهية - ما أمكن، وكلي تقصير، لكم اكتب بعد نفسي.