يستعيد التلفزيون الأردني خلال شهر رمضان هذا العام دوره من جديد من خلال عرض باقة منوعة من الأعمال الدرامية والبرامج الاجتماعية والدينية والترفيهية وكذلك المسابقات الهادفة.

معظم الأعمال التي تعرض تلقى الى حد ما استحسان الجمهور الذي هجر الشاشة لسنوات، بعد ان فقدت كثيرا من بريقها خاصة في ظل التنافس المحموم من القنوات الفضائية الأخرى.

ليس من السهولة الدخول في سوق المنافسة وجذب المشاهدين في ظل موازنات ضعيفة بالكاد تسد رواتب الموظفين، بينما تنشط محطات فضائية في هذا المضمار بما تحصله من سوق الاعلانات أو ما تستقطبه من بوابات "التمويل الأجنبي"، التي لها بصمات ملموسة في ما يعرض على شاشاتها.

ادارة التلفزيون أخذت على عاتقها في هذا الموسم انتاج عدد من المسلسلات، مثل "المشراف" الذي يؤرشف في عمل درامي كبير أحداث معركة الكرامة والبطولة الخالدة التي سطرها الجيش الأردني خلال المواجهة مع اسرائيل في العام 1968 واستطاع خلالها دحر العدو الذي خلف وراءه قتلاه وجرحاه ومعداته، من دون ان يحقق اهدافة على الاراضي الاردنية.

ربما من السابق لأوانه محاكمة المسلسل فنيا باعتبار انه ما زال يعرض على الشاشة، بيد ان العمل لم يحظ بالقدر اللازم من الإهتمام في الجانب اللوجستي وتقديم الدعم المالي الكافي الذي يليق بعمل يتناول بطولة عظيمة مثل معركة الكرامة وما تشكله من محطة مضيئة في النضال الوطني ضد الاحتلال الذي ما زال يشكل تهديدا وجوديا للأردن.

بالتأكيد ليس هناك عملا دراميا متكاملا، ولا بد من ان يكون ان هناك ثغرات أو اخفاقات، لكن في الاعمال التي يمكن ان تكون مادة فلمية قوية ومرجعا فنيا ابداعيا محترما لمناسبات وطنية جليلة كمعركة الكرامة، ينبغي رصد الدعم الضروي لإنجاح العمل والنهوض به على أكمل وجه، لا سيما وانها التجربة الأولى لنا في اللجوء الى الدراما في توثيق الإنجاز وإبراز البطولة مثل كثير من الدول التي تعتمد الفن وسيلة لها في ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز الثقة لدى الأجيال القادمة، خاصة وان المسلسلات يعاد عرضها للمشاهدين بين فترة وأخرى.

مخرج العمل لجأ الى اسلوب جديد في العرض الدرامي للأحداث من خلال المزج بين المشاهد التمثيلية وأخرى حية من أرض المعركة مستعينا بالارشيف ومن بينها صور للملك الحسين رحمة الله وهو يعتلي احدى الدبابات وتسجيل صوتي لجلالته وهو يحث الجنود على القتال بشراسة في محاكاة للأحداث التي وقعت، غير أن الصور الحقيقية كانت اكثر وقعا في النفس وأكثر إقناعا للمشاهد أيضا.

"قرية خارج التغطية"، هو العمل الثاني الذي أنتجه التلفزيون الأردني هذا العام، وكان برأيي عملا موفقا الى حد كبير، والى اكثر من سبب. اولا ان المسلسل لا يعود الى كاتب معروف وانما هو محصلة مسابقة أعلن عنها التلفزيون الاردني العام الماضي لأفضل نص درامي وتكون ملكيته بنهاية المطاف للتلفزيون، وهذا يدل على ان هناك طاقات ابداعية ما زالت قادرة على تقديم كل ما هو جديد ولكنها تحتاج فقط الى الدعم والتشجيع خاصة وأننا ما زلنا نعيش ازمة نص في الاعمال الدرامية وتكاد تكون اسماء الكتاب محصورة في اسمين أو ثلاثة.

أيضا، قدم العمل الكوميدي مقاربة نوعية في المضمون والشكل، فهو الى جانب طرح قضايا اجتماعية وسياسية مهمة وتحتل حيزا كبيرا في حياة الأردنيين مثل محاربة الفساد وغلاء الاسعار وغيرها الكثير من الهموم اليومية في حياتنا، نجده خرج عن المالوف وطور الأداء بشكل مبهر بخلاف ما كان يعرض من مسلسلات محلية، ومن ذلك تسليط الضوء على اللهجة "الربداوية" بما تحتفظ به من مصطلحات وعبارات غاية في الجمال وشكلت جزءا من الموروث اليومي والثقافة اليومية المعاشة، وهذا بحد ذاته انجاز.

وفي الشكل كذلك، تم استخدام الصورة البسيطة العفوية للشخصيات تماما كما هي في السبعينيات، من الملابس التقليدية ذات الألوان الصارخة غير المتناسقة و "تسريحات الشعر" المضحكة التي تشير كلها الى البساطة والبراءة في التصرفات، في استدعاء للشخصية الأردنية الهانئة البسيطة، وهو الزمن الجميل الذي لن يعود.

وهذا كله يجتمع مع أبجدية موسيقية مشوقة تصلح أن تعيش في الذاكرة الشعبية لسنوات طويلة قادمة، وهي مقطوعة فسيفسائية بعيدة عن صخب الالحان الناشزة، التي تستهوي الجيل الجديد بما تحتويه من رداءة في المضمون ونفور في الأداء.