أوروبا بين مطرقة أمريكا وسنديان روسيا
د. رائد الرفاعي
21-04-2022 09:19 PM
إن المقياس بين مصالح دول الناتو في لعبة الكبار في إطار توازن القوى بين المعسكرين الشرقي والغربي وتوزيع قوات الردع على النقاط الساخنة حسب القرب الجغرافي والولاء السياسي بين دول الناتو و روسيا وحلفائها لا يقارن بمقياس المصالح العليا للدول الأوروبية وشعوبها، فإذا ما أمعنا النظر على المصالح والعلاقات بين أوكرانيا وألمانيا على سبيل المثال فأننا نرى بأن المصالح المشتركة تكاد أن تكون شبه معدومة ومنحسرة فقط بمشتريات لحبوب الصويا وغيرها من الحبوب المنتجة للزيوت وبأسعار غير تفضيلية شأنها شأن بعض الدول المجاورة المصدرة للحبوب والتي تأثر تصديرها من الأزمة الأخيرة من خلال زيادة الطلب العالمي على الشراء، فضلاً عن مشاكسات أوكرانيا واختلال دبلوماسيتها مع جارتها الروسية والذي كان يتسبب دائماً بوقف ضخ الغاز الروسي الذي يمر عبر أراضيها إلى أوروبا مما أدى إلى تجاوز هذه الترهات السياسية المهددة لتزويد الغاز وعلى ضوء ذلك تم تدشين خط الغاز الأول نوردستريم 1 عبر سواحل بحر البلطيق على عهد المستشار الاشتراكي الألماني جيرهارد شرودير وتبعه الخط التجاري الثاني نوردستريم 2 الذي من شأنه أن رفع مستوى تزويد الغاز الروسي للقارة الأوروبية.
بذلك تم تحييد الدور الأوكراني المشاكس والضعيف والمهدد لمصالح ألمانيا وأوروبا بما يتعلق بنقل وتزويد الغاز مما أثار حفيظة أوكرانيا وإمتعاظها وبات سبباً لحقد النظام الأوكراني على ألمانيا، وبالرغم عن ما تقدمه ألمانيا بالوقت الراهن لأوكرانيا من مواقف سياسية وعسكرية ولوجستية وإنسانية واحتضان كم هائل من اللاجئين الأوكران والمراهنة على العلاقات الاستراتيجية مع روسيا و وضع مصالح الشعب الألماني العليا على المحك إلا أن أوكرانيا أبدت مواقف غير مرحب بها وغير مبررة تجاه الحكومة الألمانية لدرجة أنها منعت دخول الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير من دخول أراضيها بعد استعداد الأخير التواجد في أوكرانيا برفقة بعض رؤساء من دول الإتحاد الأوروبي لدعم الموقف الأوكراني متذرعة على لسان مهرجها الكوميدي فلاديمير زالينسكي وخارجيته بأن الرئيس الألماني كان من الداعمين لخط الغاز نوردستريم 2 وكان يهتم لمصالح بلاده العليا، لتظهر أوكرانيا بدور الصغيرة المدللة اللعوب الجاهلة التي تحظى بالدلال من الجميع فقط لمجرد أنها المومس المعشوقة للعم سام، ما الذي يدفع الأوروبيين أن يضعوا أنفسهم بين مطرقة أمريكا وسنديان روسيا مع شبه إنعدام المصالح بشكل عام مع أوكرانيا الضعيفة الهزيلة؟.
وكيف لهم أن يقرروا المضي بسياسة خارجية فاشلة ويقبلون بمخطط الولايات المتحدة الأمريكية بوضعهم على الخط الساخن مع الروس لإمتصاص المتاعب والعواقب على حساب المصالح العليا للدول الأوروبية؟ بينما تتمتع أمريكا بإستقرار دولارها وبقاء استمرارية عجلة الإقتصاد لديها وسلامة جنودها وآلياتها وأسلحتها والإستثراء بتجارة الخوف الأوروبي من الدب الروسي وتحقيق المكاسب من خلال صفقات فلكية لبيع النفط والحبوب والسلاح ونصب أنظمة دفاعية هائلة ومكلفة في جميع أنحاء القارة الأوروبية، وكيف ترتضي الدول الأوروبية خلق فاتورة باهظة الثمن؟ يدفعها المواطن الأوروبي من خلال الارتفاع الجنوني لأسعار النفط وإرتفاع مشتقات الحبوب والزيوت مما يجعل حركة الإقتصاد تتباطئ لحد الركود ويثقل كاهل المواطن بحيث يستحيل عليه استخدام سيارته وتدفئة منزله ويصعب عليه تأمين الخبز والزيت والطحين ويتهدد أمنه الغذائي والحيوي، ناهيك عن موجة التضخم الهائل الذي تضرب منطقة اليورو وتهاوي سعر صرف اليورو وفقدانه لقيمته الشرائية وقيمته أمام العملات العالمية والحاق الخسائر بالمستوردين، والإرتفاع الغير مسبوق لأسعار السلع الأساسية والحيوية وفتح حدود البلاد لنزوح بشري هائل هارب من ويلات الحرب الروسية الأوكرانية مع إنعدام الجاهزية والقدرة الاستيعابة للبلاد، وطرح خيارات التضحية بتشريد وتفريق الاف العائلات العربية وغيرهم من اللاجئين وطردهم من مساكنهم والسبب هو إحتواء لاجئ من نوع آخر يختلف باللون والعرق والدين، وإستخدام إزدواجية المعايير بين اللاجئين إلى حد الوصول إلى الكيل بمكيالين وتفضيل اللاجئين الأوكرانيين على كل المواطنين الذين يقيمون على الأراضي الألمانية وإصدار قرار بمنح المواطن الأوكراني مقاعد دراسة جامعية من دون أي تكلفة ومن دون تحصيل لشهادة الثانوية العامة ومن دون أي شروط مع السماح لهم بإستخدام كافة مرافق البلاد و وسائل المواصلات من دون أي شرط أو تكلفه ومنحهم حقوق لا تحق لغيرهم، ولماذا يتم إقحامنا بحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل لتستنفذ قوت أبنائنا وأموالنا وترفع أسعار كل سبل الحياة وتضعنا في عين العاصفة وفي مهب الريح النووية، أما المواطن الأوروبي الذي يتحمل العهر الإعلامي وغسل الأدمغة والتوجيه المعنوي المقصود عن طريق خلق دراما إنسانية تدفع به بدعم سياسة حكومة بلاده على المضي قدماً بالغباء السياسي فهو لا يهتم بسياسات الناتو وحروب الإستعراضات العسكرية المكلفة والتي تثقل كاهله بقدر اهتمامه بما تملي عليه وسائل الإعلام الموجهة، وإذا ما طلب منه أن يصوت لدعم سياسة حكومة بلده الأوروبي بهذا الشأن فأنه ينبغي عليه أولاً أن يشترط تخفيض أسعار المواد الغذائية وتخفيض أسعار المحروقات وتفعيل سياسات النقد المعهودة بهدف استقرار سعر صرف اليورو وتراجع التضخم كما الأجدر به أن يطالب حكومة بلده الأوروبي بالإلتفات إلى المصالح العليا للدولة والمواطن على حد سواء وبالعمل أولاً على توازن سبل الحياة قبل العمل على توازن القوى الإستعراضي بين الناتو وروسيا.
أما آن الأوان لأوروبا بأن تعيد النظر بسياستها الخارجية وأن تعيد خلط الأوراق بما تقتضيه مصالحها العليا ومصالح شعوبها وأن تقول لأمريكا بأن الأولى لها أن تطلق الضوء الأخضر لجيوشها بدلاً من إطلاقه لأوروبا بالتحرك العسكري؟ وما آن الآوان لأوروبا بأن تبلغ أمريكا بأنها ستقاتل ببوارج أمريكا وطائراتها ودباباتها وجيوشها حتى آخر جندي أمريكي؟ كما أسلفت أمريكا على لسان بايدن بأنها ستقاتل في أوكرانيا حتى آخر جندي أوكراني، وبأنها تعطي الضوء الأخضر لأوروبا بتوجيه الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا،
أو ليس من العدل مطالبة المجتمع الدولي من خلال هيئة الأمم ومجلس الأمن الدولي التعامل مع الملف الروسي الأوكراني كما تم التعامل مع ملفات الصراعات الدولية ومنها الصراعات العربية الإسرائيلية والعربية الإقليمية بالأساليب المعهودة؟ أم وصلنا إلى حد الوقاحة السياسية بالكيل بمكيالين؟.
فاتورة أوروبا بالشأن الروسي الأوكراني المكلفة والمضرة بالإقتصاد العام والمزدوجة المعايير والتي تفوح منها رائحة العنصرية العرقية وتفضيل الإيديولوجيات والخرق الصارخ والواضح للدستور، غالية الثمن وثقيلة جداً على مواطنيها وأثرت على جودة الحياة في أوروبا وهذه لعنة و وصمة عار سببها الغباء السياسي الأعمى وإنعدام بعد الرؤية لسياس أوروبا سيسجلها التاريخ والشعب.