كل نقد للسياسات الحكومية يفسر على انه مؤامرة من اعداء يتربصون بها
ما من تعبير يجري على السنة الوزراء هذه الايام اكثر من »الاستهداف« اذ يسود انطباع عام في اوساط الحكومة بانها مستهدفة من اعداء يتربصون لها في كل خطوة تخطوها, ويتحينون الفرصة لوراثتها, فالتحركات الاحتجاجية بكل اشكالها استهداف من متربحين وحزبيين, ومقاطعة الانتخابات استهداف ل¯ »العرس« الحكومة, اما النقد في وسائل اعلام فهو موجه وتقف خلفه اصابع خبيثة لا تريد الخير للحكومة. وهكذا يصنف كل رأي مخالف للحكومة في خانة الاستهداف والمؤامرة ويكون الرد عليه كما لاحظنا باجراءات تأخذ طابعا انتقاميا وثأريا.
سيصاب الكثيرون بالدهشة لسماع ذلك, لان الانطباع السائد عند الناس ان الحكومة هي من يستهدف المواطنين فهي التي فصلت العمال والمعلمين وفرضت الضرائب وقيدت حرية الاعلام وتوسعت في اقرار القوانين المؤقتة وخالفت الاسس في التعيينات والكثير الكثير مما يمكن ان تسمعه في الدواوين العامة وتعليقات المواطنين على المواقع الالكترونية.
بالطبع ليس هناك مؤامرة على الحكومة واللجوء الى هذا الاسلوب في التعاطي مع التحديات الماثلة يأتي في اطار محاولة لحشد الفريق الوزاري وابقائه في حالة تأهب للدفاع عن قرارات الحكومة وسياساتها.
لكن تبني نظرية الاستهداف على هذا النحو المفرط وتوظيفها في كل صغيرة وكبيرة يخلف نتائج سلبية ويكرس حالة الانكار للواقع وتجاهل المشاكل بدلا من مواجهتها وحلها ويعمق فجوة الثقة بين الرأي العام والحكومة والاخطر انها تزرع ثقافة القلعة المنعزلة في عقلية الوزراء تجاه كل من هم خارج اسوارها, اي الشعب كله.
لا شك ان للحكومة خصوما سياسيين, هم في الواقع خليط من المعارضة المنظمة وغير المنظمة وفيهم من عارض جميع الحكومات السابقة, ومنهم نخب سياسية تحكمها مصالح خاصة. وفي الاعلام لا يختلف الوضع عما كان عليه في السابق فهناك من يدافع عن سياسات الحكومة ومن يختلف معها.
هذا الوضع لم ينشأ مع حكومة الرفاعي بل كان سائدا في عهد الحكومات السابقة منذ التحول الديمقراطي قبل عشرين سنة.
صحيح ان هناك ارتفاعا في وتيرة النقد ليس في الاعلام فقط, وانما في المزاج الشعبي العام وهذا ليس استهدافا للحكومة بالمعنى التأمري للكلمة بل رفد فعل على سياسات ومواقف وسلوكيات استفزازية من طرفها زاد من وطأته اوضاع اقتصادية واجتماعية متردية وميل عام نحو السلبية في المجتمع.
جميع الحكومات السابقة واجهت اوضاعا مشابهة وكان لها على الدوام معارضات من كل الاشكال والالوان, لكن ايا منها لم تدعُ انها مستهدفة.
اختلفت في وسائل ادارتها للعلاقة مع المعارضة بين انفتاح وتحفظ واستجابت بعضها لضرورات التواصل والحوار وهكذا استمرت العلاقة بين شد وجذب احيانا وصلت الى الامور الى حد الازمة ثم هدأت كما هي طبيعة الاشياء في الحياة السياسية الاردنية.
الخطورة في تبني نظرية الاستهداف من طرف الحكومة انها قد تستخدم كمبرر لتصفية الاخرين بزعم انهم متأمرون.0
العرب اليوم
fahed.khitan@alarabalyawm.net