الإفلاس بين المجاز والواقع
سامح المحاريق
18-04-2022 01:09 PM
نضطر المرة بعد الأخرى أن نتحدث عن المشكلة الاقتصادية، ولما كتبت قبل أيام عن السبب الذي يجعل الأردن بعيداً عن أشباح الإفلاس كان ذلك يستند إلى قراءة واسعة بخصوص المعطيات المختلفة، إلا أن تصريحاً لدولة الرئيس طاهر المصري حول الإفلاس من جديد يجعل من الضروري العمل على تفكيك بعض المعطيات بشيء من التأني، مع الأخذ في الاعتبار أن السياق يشجع على تفسيرات مجازية لما قاله المصري أكثر مما هي حقيقية تستند إلى وقائع وأدلة اقتصادية وحسابية.
النسبة المتعارف عليها للدين العام إلى الناتج القومي، يجب أن يتم تقسيمها إلى جزئين، الدين الداخلي، وعملته هي الدينار الأردني، والخارجي بالعملات الصعبة، وتحديداً بالدولار الأمريكي، ويجب أن تتناسب هذه الديون مع موارد الدولة بالعملة الصعبة، ولما كانت قرابة نصف ديون الأردن بالعملات الأجنبية، فإنه يجب القول بأن معدلات الاحتياطيات من العملات في الأردن مقبولة إلى حد ما، وربما يجادل البعض أن هذه الاحتياطيات للمستوردات الضرورية، ولكن ذلك ينفي ديناميكية المالية العامة، فلا توجد لحظة معينة تتوقف فيها العملة الأجنبية عن التدفق إلى الأردن، والتساؤل يبقى حول المعدلات، وإذا كانت هذه المعدلات متواضعة نتيجة لأزمة كورونا، فإنها مرشحة للتزايد في الفترة المقبلة مع الانتباه لتجنب التعويل الزائد على ذلك، فالأسعار العالمية تتصاعد نتيجة التضخم.
تدرك الحكومة بشكل أو بآخر ضرورة تجنب زيادة المديونية بالعملات الأجنبية، فما تطرحه من سندات في الموازنة العامة 2022 يعادل القيمة التي سيتم تسديدها، أي أنها تبتعد عن التوسع في الاقتراض بالعملة الأجنبية، وبذلك يبقى الدين المحلي، وهو قصة أخرى، ونتائجها الاقتصادية لا تتعلق بالإفلاس، فالدول لا تفلس من الدين الداخلي الذي تبقى آثاره متعلقة بمشكلات اقتصادية مثل البطالة ومعدلات الفقر، وهذه مشاكل يجب أن تعالج بجدية ولكنها لا تتعلق بالإفلاس.
المشكلة في القدرة على تخفيض الدين، أو الاحتفاظ به في حدود آمنة، والابتعاد عن تخفيض التصنيف الإئتماني بما يكبد الدولة تكلفة أعلى للاقتراض، وهذه مسألة لا تبدو قابلة للتحقق في المدى القصير، وعلى الفكر الاقتصادي أن يحاول البحث في اجراءات تقيد من وتيرة زيادة المديونية كنسبة ورقم اجمالي، والاستفادة من دروس الماضي، وإذا كان من الصعب النصيحة في مجال هذه الإجراءات فإن ما يمكن العمل على تأكيده هو الابتعاد عن الإجراءات التي أثبتت عدم جدواها في الأردن وغيره من الدول، ويمكن أن تجمل الحلول التقليدية التي يتوجب الابتعاد عنها فيما يلي:
1.الخصخصة وبيع الحصص الاستراتيجية ليس حلاً، فهو لا يضيف شيئاً إلى الأصول الوطنية، واستخدام أية أموال تنتج عن الخصخصة يجب أن يتحول إلى تأسيس أصول جديدة تحقق عائداً أعلى، وليس سداد المديونية، لأن المديونية تسدد من الدخل المتأتي من الإنتاج، والاستثمار في تأسيس مشروعات هو الذي يضيف إلى الأصول الوطنية، ولذلك فيمكن الحديث عن نموذج البناء والتشغيل ونقل الملكية في حالة الخدمات، والتشجيع بالإعفاءات في القطاعات الصناعية.
2.التقشف لا يؤتي ثماراً في المدى البعيد، وكل ما يفعله بعد توفير بعض الموارد المالية لفترة محدودة هو إبطاء العجلة الاقتصادية والتي تولد الإيراد في النهاية مع كل عملية تبادل، مثل الشراء والبيع والرواتب، حيث تترجم إلى عائدات حكومية.
3.تحرير الأسواق لا يتناسب مع أسواق ضعيفة وغير تنافسية، فالدولة عليها أن توازن بين رؤيتها لاقتصاد السوق الحر وبين حماية قطاعاتها الاقتصادية، وكثير من الاتفاقيات تقوم على أرضية عدم التوازن مثل الاتفاقيات مع الجانب التركي، والدول العربية التي يمكن أنها غير متحمسة لفكرة المنح يمكن أن تمنح الأردن معاملة تفضيلية في التبادلات التجارية لأن ذلك يتجاوز أية تحفظات حول تاريخية المنح والمساعدات.
يبقى من الضروري العمل على الجلوس مع الأصوات التي تتحدث عن الإفلاس، والحديث حول المنطلقات التي يؤسسون وجهة نظرهم عليها، خاصة أن المسألة يمكن أن تولد ردود أفعال غير مستحبة تتوسع في السوق وتزيد من تعقيد المشكلة، وتؤدي إلى توتير السوق واصطناع مشكلة جديدة من العدم.
مشاكلنا الاقتصادية ضاغطة وكثيرة، والظروف العامة لا تساعد حالياً للوصول إلى مخارج آمنة ولكن ليس من الضروري أن ندفع أنفسنا إلى الحافة لأن من يقف على الحافة سيجد من يدفعه استغلالاً لموقعه المكشوف.