لا شك ان هناك تحولات كثيرة طرأت فما كان يتصدر الاولويات امس اصبح في ذيل القائمة اليوم وهذا كله يستوجب اعادة توجيه الانفاق.
مثلا اصبحت الزراعة اولوية وكذلك الصناعة خصوصا الغذائية فيما تراجعت اهمية قطاعات عديدة اخرى لكنها لم تفقد أهميتها.
عند وضع كل موازنة وحتى نهاية سمتها المالية تواصل عبارات مثل ضبط الإنفاق العام، تملأ الفضاء لكن احدا لم يقل باعادة توجيه الانفاق بمعنى ترتيب بناء الموازنة بنظرة مختلفة فما كان مهملا اصبح يتصدر الاولوية مثل الصحة والتعليم والزراعة وكل كان ينال التركيز ان يعود من التابوهات غير القابلة للاختراق..
الذين يطالبون بضبط النفقات يتعين عليهم أن يطالبوا اليوم باعادة توجيه هذه النفقات لان عملية الصلة لم تعد ممكنة مع ثبات فواتير رواتب الموظفين، ورواتب المتقاعدين، وفوائد الدين العام المحلي والخارجي، والإيجارات المستحقة على مباني الوزارة والكهرباء والمياه ودعم الخبز والغاز المنزلي، كما أن هناك نفقات غير قابلة للتصرف حتى يومنا هذا وهي موازنة القوات المسلحة، والاجهزة الامنية.
هناك محاولات لان تنخرط القوات المسلحة في عملية الانتاج مثل الزراعة والصناعة فان كان ذلك لاغراض تغذية حاجاتها والاكتفاء ذاتيا فهذا توجه مطلوب، لكن ليس مطلوبا منها ان تحل في محل الصناعيين والمزارعين وتنافسهم في السوق، المهم هو تخفيف الضغط عن موازنة الدولة ليعاد توجيه الانفاق الى مشاريع انتاجية تسهم في تلبية حاجات السوق والتخفيف من معدلات البطالة.
في ظل الأوضاع القائمة لا تتمتع الموازنة بأي قدر من المرونة والجزء الأعظم من النفقات العامة ملزم وغير قابل للضبط. وكون الإيرادات العامة غير كافية لتغطية النفقات، يجعل الحل الوحيد هو الاقتراض وهو ما سيرتب اعباء ثقيلة فوق مديونية تجاوزت ٤٠ مليار دولار.
لا يريد احد ان يقترب من الحلول الجراحية، وليس اقل من اعادة تبويب نفقات الموازنة العامة فالأصل فيها ان تكون نفقاتها الرأسمالية مساوية ان لم تكن اكبر من نفقاتها الجارية، وهذا ليس ممكنا من دون تدخل جراحي.
(الرأي)