عذرا أبناء فلسطين، فماذا يساوي الحبر بجانب الدم، وماذا يساوي تنميق الكلمات وتدبيج المقالات أمام القتل و الاعتقال و تدمير البيوت على رأس أصحابها.. عذرا.. فنحن أصغر من أن نذكركم على السنتنا، فقد كشفتم عوراتنا و أزحتم الستار عن ضعفنا، فنحن عاجزون حتى عن النظر إلى وجوهكم فأنتم تقاتلون اليوم وحدكم ونحن نتفرج بوجوه ليس فيها دماء و نفوس ليس بها نخوة، أنتم اليوم عزة الأمة تدافعون عن القدس و الأقصى بصدوركم العارية، تقبلون على الموت والشهادة وأنتم تبتسمون ابتسامة تصفع رجولتنا إن ظل منها شيء، ننظر اليكم من خلف شاشات صماء ثم نذهب ألى شؤوننا الصغيرة وأنتم تظلون مرابطون في ساحات الجهاد و المقاومة نيابة عن أمة غرقت في وحل الهزيمة من رأسها إلى مخمس قدميها.
أقسمتم أنكم ستحمون الأقصى بدماءكم وقد بررتم بقسمكم ووقفتم أمام أقسى وأبشع آلة عسكرية عمياء فهزمتموها بعزكم و إيمانكم بأن الله معكم وحدكم و لن يضارّ من معه الله العظيم.
فلسطين اليوم تتصدر مشهد المقاومة على مستوى العالم بالمعنى الحرفي للكلمة، فلا شعارات ولا مبادرات إلا شعار المقاومة و التحرير، فرغم كل المؤامرات و محاولات التصفية تعود كل مرة إلى المشهد أقوى مما كانت عليه بفضل أبنائها القابضين على جمر الصمود.
كل ما تفعله قوة الاحتلال هذه الأيام هو جزء من محاولات و مخططات تقسيم الحرم القدسي مكانياً و زمانياً و فرض واقع جديد كما فعلت بالحرم الإبراهيمي، ولكن الزمان و الظرف مختلفان اليوم فالفلسطينيون الأقصى لهم عنوان وجود كما أنهم أصبحوا اليوم أصحاب خبرة عميقة و متراكمة في التعامل مع النوايا الاسرائيلية و من خلفهم في العالم و المنطقة.
القضية الفلسطينية تدخل مرحلة جديدة بالمواجهة ليس بفضل صحوة الضمير العالمي أو صحوة النخوة العربية على الصعيد الرسمي بل بفعل أبناء فلسطين الذين مورس عليهم كل أنواع الإغراءات و الترهيب و فشل أرباب التسويات المشبوهة في إقناعهم عن التنازل عن حقوقهم في أرضهم و مقدساتهم فظرف القرار الفلسطيني اختلف تماماً فلم يعد الشعب الفلسطيني ينتطر قرار المؤسسات السياسية الرسمية سواء العربية أو الفلسطينية لتقرير مصيره بل على العكس هو الذي قرر مصير هذه المؤسسات و كشف ضعفها و هزالتها.
يا الله ما أسخف و أضعف قرارات هذه المؤسسات أمام رمية حجر من طفل فلسطيني في وجه جندي إسرائيلي مرعوب في ساحات الأقصى و كل أرض فلسطين.
كل التحبير على الورق الأصفر منذ مئة عام من أجل إلغاء الشعب الفلسطيني و تزوير جغرافيا الأرض الفلسطينية يسقط في كل مرة تحت أقدام المقاومين في ساحات الأقصى، و تبرز الروح الحقيقية للأمة من خلالهم ليعلّموا العالم و كل الذين طأطؤوا للهيمنة الإسرائيلية و سعوا مسرعين إلى محراب الخرافة الصهيونية ظناً منهم أن في ذلك حماية لهم و لم يدركوا أن الاسرائيليين إذا نجحوا في تصفية القضية الفلسطينية و حقوق الشعب الفلسطيني سيتوجهون للهيمنة الفعلية على كل المنطقة بالقوة إن وجب ذلك.
هذا مشروعهم واضح في أذهانهم لا يخفونه ولا يخجلون منه و هم يعملون على تحقيقه منذ زمن بعيد، وأمس أكده وزير الدفاع الاسرائيلي غانتس أنه يرضى بتسوية سياسية ما مع الشعب الفلسطيني من خلال كيانين تكون اليد العليا فيهما لإسرائيل إضافة إلى هيمنة إسرائيل على كل المنطقة، إنهم صادقون مع أنفسهم و مشروعهم و لكن مشروع الأمة الحقيقي الذي يمثله أبناء فلسطين في ساحات الأقصى وكل الساحات الفلسطينية هو الذي يقف و سيقف في وجه هذا المشروع و ليس قرارات مؤسسات عربية عاجزة لا شرعية لها.
ستظل القدس و الأقصى و فلسطين بوصلة الأمة ولن تستطيع إسرائيل ومن خلفها أن تنتصر على جيل ولد ونشأ وهو يفكر بالتحرير و المقاومة.