يبدو الصيف الحالي ليس استثنائيا فقط في الحَرّ الشديد، الذي لم نتعوّد عليه بهذا القدر، فقد حمل مؤشرات ومقدمات غير سارّة تثير القلق والرعب مما تحمله الأيام المقبلة، ليس سياسيا واقتصاديا فحسب، بل فيما هو أخطر ويمس نهاية "العمر الافتراضي" للبنية التحتية والخدمات الأساسية، التي بات علينا اليوم أن نطرحها كمشكلة حقيقية وكبيرة.
لأوّل مرّة يصبح انقطاع الكهرباء قضية مقلقة إلى هذا الحدّ، إذ تجاوزت الطاقة المستهلكة القدرة التوليدية، ما دفع بالحكومة إلى استيراد (ميغاوات) من دول مجاورة، ويتطلب مواجهة الطلب الزائد التفكير في توفير محطات توليد جديدة، وهي كلفة إضافية كبيرة، في وقت تعاني فيه الموازنة من عجز كبير.
وبالرغم من أنّ انقطاع الماء قضية مزمنة، مرتبطة بشح مصادرها، إلا أنّ المشكلة هذا الصيف تحولت إلى أزمة، إلى درجة القيام باعتصامات من قبل الأهالي، ما ينذر مستقبلاً بتحوّلها إلى ملف سياسي ساخن!
بالإضافة إلى ما يسببه تلف أنابيب نقل المياه من هدر كبير، فإنّه يؤدي إلى مشكلات أخطر من التلوث والاختلاط بمياه الصرف الصحي، وقد أشار رئيس الوزراء السابق، معروف البخيت أنّ تجديد شبكة المياه التي انتهى عمرها الافتراضي يتطلب مئات الملايين من الدنانير، وهو بالطبع ما لا يفكر فيه وزير المالية، د. محمد أبو حمور.
الأمر لا يختلف كثيرا في (الشوارع)، فبعيدا عن "الجسور المشيّدة" الجديدة، أغلب (الشوارع) تعاني من التشقق والعيوب الكبيرة، وفي عمان أدت "حفريات الأمانة" الأخيرة إلى مشكلات أكبر يشعر بها السائقون.
في السابق، تكفّل القطاع العام، الذي تُنشر اليوم قصائد في ذمِّه وترهله وكلفته على الموازنة، ببناء بنية تحتية متميزة، وقد خرج اليوم من أغلب هذه المجالات، التي تولتها شركات مختلفة، لم تقدّم خدمة أفضل، على الرغم من أنّ الموازنة العامة باتت تعتمد على جيوب المواطنين!
إذا كان القطاع العام قد خرج من هذه الخدمات، والقطاع الخاص لن يتكفّل في تجديدها، فما العمل؟!
العودة إلى القطاع العام بعدما أصابه من تجاهل وترهل تبدو مسألة مستبعدة اليوم، ما يجعل الرهان الوطني الرئيس على المسارعة في المشاريع الرديفة والبديلة، مثل جر مياه الديسي، البرنامج النووي، الطاقة البديلة، وتحسين قطاع النقل العام وسكك الحديد، بما تمثله من حلول جزئية، تتطلب أن تتموضع ضمن رؤية استراتيجية متكاملة.
عمق الشعور بهذه الأزمة يلمسه المواطن حصريا، وقد لخص الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ذلك، عندما تحدّى المسؤولين اللبنانيين، فيما إذا كانوا يقدرون على الاستغناء عن الكهرباء ست ساعات فقط، فهل يجيب مسؤولونا عليه وفيما إذا كانوا يستغنون عن الماء ست ساعات؟!
القلق الحقيقي لدى المواطنين يكمن في أنّنا لا نمتلك بوصلة واضحة للمستقبل، ونسير باتجاهات عشوائية ومتضاربة، وفي المحصلة الأمور تتجه نحو الأسوأ إلى الآن.
m.aburumman@alghad.jo
الغد.