استوقفتني بعض الدراسات الحديثة والأرقام الصادمة عن نسب المواطنين والشباب الذين يرغبون بالانضمام للأحزاب او الذين لديهم ثقة بما تم تطويره على الحياة السياسية وهل سيكون لها أثر ملموس على المجتمع والحياة الديموقراطية... فطرحت بعض الأسئلة على نفسي علّي أُبدد ما سيطر على مخيلتي!
اولها هل الأحزاب والمشاركة الحزبية هي الطريقة المثلى لتطوير الحياة السياسية... ؟ وان كانت كذلك ما هي أسباب عزوف السواد الأعظم من الشعب وخاصة فئة الشباب عن الانضمام للأحزاب؟
هل فات اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية قبل الشروع بتعديل القوانين الحالية البحث عن الوسائل الأنجع؟ أم أنها انشغلت فقط بالتطوير الأمثل للقوانين القائمة؟
هل اعتقدت اللجنة ان التعديلات التي أجريت على الدستور وقوانين الأحزاب والانتخاب وتحفيز المشاركة لشريحة واسعة من المجتمع في الأحزاب نكون قد تقدمنا على سلم التطوير في الحياة السياسية...؟ أم أن هنالك فجوة لازالت موجودة ولابد من الوصول إليها وتسكيرها حتى نعتبر أنفسنا قدمنا إنجازا للوطن بأكمله وليس لمجموعات مستهدفة...؟
هل نحن الآن على الطريق الصحيح...؟ وهل هنالك مؤشرات فعلية على أرض الواقع تعكس ما تم تطويره على القوانين والأنظمة السياسية؟
جميع هذه الأسئلة تعصف في مخيلتي، أجيب على إحداها واتوقف عند آخر... واقول لنفسي إن كان فعلياً من اولوياتنا كأشخاص طبيعيين أو لجان تطوير للمنظومة السياسية التي اجتهدت في تطوير حقبة كاملة من الإصلاحات التي هرمنا وسئمنا من محاولات إصلاحها المتعاقبة عبر الحكومات ، لن أقول انها باءت بالفشل بل لم تجد لها طريقا لتسلكه فظلت متجمدة حيثما ابتدأت، وكأننا لم نمسك القلم ولم نجد الاوراق التي كتبناها ، أو بلغة أكثر دقة ووضوح لم نستطيع أن نترجم رؤى سيد البلاد وأهدافه وما يصبو إليه ويطمح له بأن نكون انموذجاً ديموقراطيا متقدما يعمل ضمن ايدولوجيا محددة المعالم وواضحة الطريق و مدروسة النتائج . ذلك أن الأيديولوجيا أصبحت نسقًا قابلًا للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء أكانت على المستوى المحلي أم العالمي ، وما سوى ذلك لا اعتبره الا لهو وعبث بما هو موجود اصلا ومحاولات للانطلاق من نقطة غير معلومة البداية وغير مدروسة النهاية، فنصبح بذلك وكأننا توقفنا بالمنتصف ، لا نملك القدرة على الاقتراب لأن ليس هنالك من يمسك بأيدينا و يدفعنا للتقدم للأمام ، وليس هنالك من يمسك بنا ليعيدنا إلى الوراء ويضعنا عند نقطة البداية الأصيلة التي قد يكون الانطلاق منها عملي وفعلي و بلا توقف وقد تجعلنا نفوز بالسباق مع الزمن ومع المنطق ، ومع ما لم نفكر أبدا كيف لنا أن نتجاوزه، تلك جميعها أسئلة برسم الاجابة استوقفتني و تطلبت مني الوقوف عندها قليلا متأملاً حتى استطيع تقييم ما تم إنجازه وما ستكون عليه الحياة والمشاركة السياسية في قادم الأيام.
فإذا ما نظرنا إلى الواقع الحالي نرى اننا في حالة إرباك غير مسبوق ، فالشباب تائهون، حائرون، مرتبكين بين مطرقة التهميش وسنديان التطوير المزعوم... فنجد أنهم يحتاجون إلى برنامج توعية فعلي وعملي متكامل وشامل، يحدد الأسباب ويشرح الظروف ويبين التطورات التي طرأت ، وما هي سُبل النجاح والتقدم والمشاركة وتفعيل دور الشباب، فالمشهد العام يعطينا انطباع أن هنالك حالة من اللاوعي او الإدراك لدى فئة كبيرة من المجتمع بما تم تطويره و تأطيره على المنظومة السياسية ، مما أدى الى التقليل من حجم الانجاز الذي تم الانتهاء منه ولربما أنه كان الإنجاز الأكبر و الأفضل و الانجع في الدولة منذ عقود، فأدت حالة اللاوعي هذه الى ضبابية في المشهد والصورة الفعلية لما تم تطويره و إنجازه، انتهت الى حالة من عدم الرضا العام أو عدم الثقة التي اعتاد عليها المواطن و بأنه أصبح مقتنعاً انه لا جديد جدير بالتفكير فيه ولا قديم يشفع بأن نعود إليه نتيجة لموجة إحباط امتدت لسنوات في عقولهم ... ليصبح جميع ما تم تطويره وانجازة برغم أهميته ، كأوراق تبعثرت مع رياح الزمن فتوقفت من جديد عند نقطة اللابداية...
وهنا أرى أنه أصبح لزاماً أن تكون هنالك حملة توعيه وطنية شاملة ضمن خطة محددة وقابلة للتطبيق يقودها الشباب أنفسهم، تبدأ من طلبة المدارس وتنطلق إلى الجامعات وصولا إلى أفراد المجتمع المحلي، يقودها هؤلاء الشبان الذين رسمت معالم المستقبل بوجودهم وعولت التغييرات على عزمهم.
ويجب ان يقود حملات التوعية تلك شباب تشبعوا بالفهم العميق والدور الجديد الذي أوكل اليهم ومستقبل الوطن الذي ينتظر لمساتهم ، لأنه لا يُشعر الشاب بأهميته الا شاب مثله يحمل نفس افكاره وتطلعاته ، يشاركه نفس الطموح والمبادئ وشابات يعرفن أين النقص فيبدأن بتوعية امثالهن إلى ما وصلن إليه من إنجاز وتمكين للمرأة... فيصبح بهذا الشكل التحفيز ضمني وترى أن التشجيع على المشاركة الفعالة سيصبح فعالا ، لا بل ويحمل مبشرات وأفكار شبابية بحتة، لا وسنرى ايضاً ولادة احزاب مؤسسيها واعضائها وأفكارها و رؤاها شبابية بكل معانيها.. لأن من الهمهم وعمّق لديهم الفكرة، وفسر لهم ما تم تطويره على الحياة الحزبية والسياسية هم شباب امثالهم يحملون نفس أفكارهم وهمومهم ويتبنون ذات الطموحات ويعرفون اللغة التي يحبذون أن يسمعوها، فنكون قد عززنا فيهم روح المبادرة اولا وعمقنا لديهم المفاهيم التي انتابها الغموض فجعلتهم عازفين يائسين.
سأنهي حديثي بمقترح بسيط وبكلمات قصيرة أوجهها لأصحاب القرار والمشورة إن قُدّر لهذا الاقتراح ان يصل إليهم..
لا تدعوا الوقت يمضي ويسرق منكم اهم انجازاتكم في مئوية الدولة الجديدة ... سارعوا بحملة وطنية توعويه شبابية بحتة، شاملة تبدأ من الأطفال قبل الشبان... ودعوا الشباب هم الملهمين للكبار، ودعوهم هم اصحاب القرار...
سارعوا بتشكيل لجنة توعية شبابية وطنية في كل محافظات المملكة، وتشكيل لجان تضم مجموعة من الشبان والشابات المثقفين في كل محافظة وقدموا لهم الدعم وارسموا لهم الخطط ودعوهم هم من ينشروا لكم الوعي العام ويشرحوا ما تم انجازه لأبناء جلدتهم واصدقائهم ومجتمعهم ...
وانا على ثقة تامة انكم ستشهدون نقلة نوعية وغير مسبوقة وسريعة جداً وستشهدون تحول ملموس في التفكير والأفكار ... وسترون نتائج مبهرة للمشاركة الشبابية سواء كان في الأحزاب أو الانتخاب أو حتى طرح أفكار لم يسبق أن كان لشبابنا فرصة للتعبير عنها.
سارعوا فإن الوقت لا يعود... والايام تمضي.. وما زلتم غير قادرين على الانطلاق، ليس من باب الإحباط لا سمح الله، ولكن نصيحة.
قد لا أُعتبر ممن يأُخذ بنصائحه، ولكنها بعض زفرات صدر، واعتبرتها امانة ووجب على إيصالها، فإن وجدت صدى أُأُجر على ايصالها... وإن أُهملت فسأكون متصالحاً مع نفسي لأنني لم أبخل عليها بما ارادت.