اختزال مشروع المقاومة الفلسطينية وتصاعدها وارتفاع وتيرتها, بوصفه تعبيراً عن حالة احباط او حالة يأس, فيه انتقاص كبير للشعب الفلسطيني ومقاومته وشرعية هذه المقاومة, فاليائس والمحبط يقدم على الانتحار او الافعال الانتقامية, وهذا ليس ديدن المقاومة وقواها الحية التي تقوم بأنبل فعل نضالي عرفته البشرية الحديثة, وثمة نغمة متصاعدة في الاعلام العربي وتحديدا الاعلام المفتوح والمنفتح على القوى الصهيونية, بأن حالة اليأس تدفع الفلسطيني الى المقاومة, والى العمل العسكري ولا تتورع بعض القوى طبعا عن ادانة هذا العمل.
لست في معرض تفنيد المفهوم المغلوط, وربما المقصود, ولكن لم يكن الفلسطيني يوما ناسيا او يائسا من تحرير ارضه وتحرير الانسان ايضا على هذه الارض, كذلك لم يكن بائعا لارضه, او طائعا لمفاهيم التفريط والتسوية غير العادلة, حتى يصيبه اليأس او الاحباط, فهو يقبل على المواجهة ولا يدبر, كذلك يقوم بمواجهة المحتل ولا يقوم بلف حزام ناسف على جسده كما يفعل اليائسون والمحبطون, هو يقوم بمقاومة يستهدف منها الحياة وليس الموت, وهذا فارق يجري اغماض العين عنه.
الفلسطيني عاشق للحياة ومتمسك بها, ولكن تعريف الحياة لديه مختلف, فالحياة تعني مقاومة المحتل وطرده, والحياة التي يريدها هي الحياة التي تسر الصديق, وليست الحياة الهامشية او المطأطئة الرأس لاجل لقمة عيش او راتب ممزوج بالوحل والتنسيق المذل, لم يقدم الشعب الفلسطيني الاف الشهداء وربما قارب على المليون شهيد والاف الجرحى والمعتقلين, لأنه يعاني من احباط ويأس, ولا من اجل ان تستمر كراسي السلطة الفلسطينية, او من اجل ان يتحول سنجق غزة الى لحية ودشداش, بل قدم كل التضحيات من اجل وطن يليق به, وطن مفتوح على الحرية والامل والكرامة.
نغمة ربط المقاومة باليأس والاحباط, يجعلها اساسا خارج فعل المقاومة, ويضعها في خانة تحسين الظروف الاقتصادية والظروف المناطقية والشخصية, وتتحول القضية الفلسطينية من مشروع تحرير الى مشروع تمثيل ومعاش, وهذا جوهر المفارقة التي تسعى اليها دول حليفة للاحتلال مع الاحتلال ذاته, ودول دخلت حديثا على قائمة العبث القومي والتطبيع المجاني, وحتى اوساط رئيسة في السلطة الفلسطينية, تسعى الى تثبيت هذا المشهد, وربطه بحصار غزة, الذي بدأ يأخذ شكلا سرياليا مقصودا منه ادامة الانشقاق وادامة الفرقة الفلسطينية, وتكريس أن غزة حالة منفردة عن الضفة, وبالتالي نتحدث عن سياقين مختلفين, سياق دولة في غزة وسياق كيان في الضفة, والكيان بالعادة لا يقاوم بل ينفعل من اجل تحسين شروط الحياة.
لست في صدد تبيان ان الهوية المقدسية تعني ان الابواب مفتوحة للعمل داخل كيان الاحتلال او الهجرة الى اي عاصمة, ومع ذلك فإن الشباب المقدسي الموحد, يصنع مقاومة خارقة للمألوف, فالكنيسة قبل المسجد تدافع عن الاقصى, والمسجد يسبق الكنيسة في الدفاع عن القيامة, ورأينا نماذج رفعت الروح المعنوية في كل الاقطار العربية, فهل الذي يرفع الروح المعنوية لنا جميعا يقوم بذلك بدافع الاحباط واليأس, اي يائس هذا الذي يزور الارض ويستنشق الهواء اليافاوي ويحتسي قهوته ثم يرتقي شهيدا؟ اليائس هو القابع في الطرف الآخر ينتظر ان ينسى الفلسطيني او ان يتماهى مع مشاريع التصفية, اما الفلسطيني ومقاومته فهم يوقدون كل يوم شعلة أمل ستطال كل العواصم وكل المدن, وسيرفع الجميع اذان الاقامة لمقاومة الصهيونية والرجعية والتخلف, وبناء الانسان الجديد, عربيا وفلسطينيا, فما زالت فلسطين بوصلة الوجدان العربي وما زالت مآذن الاقصى توصل رسالتها الى كل الشباب العربي, الذي نراه كل مساء في الشوارع هاتفا باسم الله واسم فلسطين.
omarkallab@yahoo.com
الرأي