بدأت الحياة الحزبية في الأردن منذ نشأت الدولة الأردنية، وتجذرت بعد الاستقلال عام 1946، وتم قوننتها ودسترتها من خلال دستور عام 1952 الذي سمح بتشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات.
وكان يطغى على الأحزاب في تلك المرحلة الصبغة القومية التي كانت تدعو إلى الوحدة العربية وتحرير فلسطين، ثم ظهرت الأحزاب الوطنية التي كانت تدعو إلى الاستقلال ورفع الانتداب البريطاني عن الأردن. ومع فرض الأحكام العرفية في نهاية الخمسينيات توقف نشاط الأحزاب بشكل عام وبرز مفهوم الأحزاب الإسلامية التي كانت تقوم بنشاط اجتماعي بالاضافة إلى السياسي.
بقيت الأمور على ما هي عليه لغاية 1989 حيث شهد هذا العام عودة الحياة الديمقراطية وأُنشئ كذلك قانون أحزاب عام 1992، وبدأت مرحلة جديدة اتسمت بالانفتاح الحزبي وتشكيل أحزاب كثيرة.
التجربة الحزبية بقيت تراوح مكانها بالرغم من إنشاء أحزاب متعددة ومختلفة، لكن هذا العدد والتنوع لم يصل بنا إلى الهدف المطلوب، بل تم اختزال هذه الأحزاب بشخوص- نكن لهم كل الاحترام- بحيث أصبحت الأحزاب تُعرف باسم أمينها العام ولا تعرف لا ببرنامج ولا بنهج ثابت.
قبل أقل من عام دعا جلالة الملك لإنشاء لجنة وطنية لتطوير الحياة السياسية في الأردن، وبعد نقاشات لمدة زادت على 3 أشهر خرجت هذه اللجنة بقانوني احزاب وانتخاب ينظم الحياة السياسية للمراحل القادمة، و أعطى – لأول مرة – مقاعد حزبية بحدود 30 % من المقاعد تزداد إلى 50 % في الانتخابات التي تلي القادمة وتنتهي ب 65 % من المقاعد بعد مجلسين، وحُصِّنت هذه القوانين بحيث يحتاج 2/3 أعضاء مجلس النواب والأعيان لتغيير أي نص فيهما.
الآن وبعد إقرار هذه القوانين من مجلس الأمة وصدور الإرادة الملكية فيهما أصبحا حقيقة واقعة، وأصبحت الكرة في ملعب الأحزاب بحيث يجب عليها الآن أن تكيف نفسها مع التعديلات التي حدثت على قانوني الاحزاب والانتخاب وان تحدّث خطابها السياسي والبرامجي.
لكن “بروفة” الانتخابات البلدية واللامركزية لا توحي بأن الاحزاب التقطت رسالة التحول الذي جرى، حيث أكثر من 2/3 الأحزاب لم تحصل على مقاعد في هذه الانتخابات، واستأثرت 3 أحزاب بأغلبية المقاعد في أمانة عمان والمجالس البلدية.!
المطلوب الآن من الأحزاب أن تنتبه وتقرأ المشهد السياسي بتدبّر بحيث تتجه إلى جمهور المواطنين وتشرح لهم برامجها وتشجعهم على الانخراط في الحياة الحزبية لانه من غير المنطقي ان ينتسب 32 ألف اردني إلى الاحزاب فقط.
كذلك مطلوب من الاحزاب القديمة والاحزاب تحت التأسيس أن تتجمع مع بعضها- المتقاربة فكرياً – وان تنتبه ان قانون الانتخاب -خاصةً مع وجود “العتبة” – سينهي كثيرا منهم إذا لم يتصرفوا بمنطق وحسن تدبير.
ولا ننسى أيضا دور الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب بزيادة الوعي وتوضيح القوانين التي أُقرّت وتشجيع الجميع وخاصةً الشباب للعمل تحت مظلة العمل الحزبي لعلنا نصل إلى حلم “المليون حزبي”.
(الغد)