دور اقتصادي للجيش العربي .. على بركة الله
سامح المحاريق
13-04-2022 05:20 PM
الأردن هو الدولة العربية الأعلى في نسبة عدد أفراد القوات المسلحة إلى عدد السكان، وفي المقابل، فالجيش العربي لا يحظى بمزايا استثنائية مفرطة، ولأنني كنت أسكن طبربور، فقد شاهدت رئيس الأركان في مرات عدة في موكب متواضع، سيارتين لا أكثر، بما يعني أنه لدينا ضباط محترفون يبتعدون عن أي ايحاء للفظة الجنرال التي تستدعي الشكوك في جيوش عربية أخرى.
تأسس الجيش الأردني في ظروف صعبة، وفي وقت متزامن لظهور الدولة الوطنية في المنطقة، وأدى مهاماً اجتماعية كثيرة، وألقى بظلاله وثقافته على قطاعات واسعة في المجتمع، وكانت الولادة الحقيقية للجيش الأردني هي حرب 1948، وخيمت الشروط الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي على الجيش الكبير نسبياً، والمكلف أيضاً.
الاقتصاد، ساحة مغرية ومليئة بالألغام أمام جيوش كثيرة، والاقتصاد مدخل للسياسة، ولذلك فالحالة المثالية أن يبقى الجيش على وضعه الراهن، احترافياً وعملياتياً، ولكن هل يمكن للأردن أن يفكر في تخفيض حجم جيشه بما يعبر عن واقع جديد، هل يؤمن الأردنيون بأن سلاماً عادلاً وشاملاً يمكن أن يتحقق في المدى المنظور؟ هل يأمنون لهذه الفرضية؟ هل المنطقة أصبحت خالية من التهديدات؟ هل لملمت الجماعات المتطرفة أوراقها من العراق وسوريا؟
الأردنيون يرون أن تجربتهم مختلفة عن مصر، وأن الجيش الأردني يجب أن يبقى بعيداً في مهامه التقليدية من غير تغيير، ويتغافل المتحدثون في هذه القضية عن وجود تباين بين مرحلتين من الدور الاقتصادي للجيش المصري، المرحلة الحالية التي يتوسع فيه دور الجيش ليصبح لاعباً رئيسياً في الاقتصاد بطريقة تثير انتقادات القطاع الخاص وتتخوف من الإضرار بإمكانياته تجاه تعطيله وبالتالي ضرب المعادلة الاقتصادية، وهذه مسألة مقلقة فعلاً، ولكنها لا تعبر عن مرحلة سابقة كان للجيش دوره المستمر في مشاريع البنية التحتية في مصر، في الوقت الذي توسعت فيه شركات مقاولات كبرى وصلت إلى أحجام هائلة على المستوى العربي والإفريقي، بمعنى أن الجيش تمكن من أداء دور اقتصادي مدروس في قطاعات لم تكن ضمن أجندة القطاع الخاص، أو في مشاريع تفوق قدراته، وتدخل لتقاسم المخاطرة من أجل تسييرها ووضعها حيز التنفيذ.
في الأيام الأخيرة، تحدث رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء يوسف الحنيطي عن مساهمة مرتقبة للقوات المسلحة لزراعة مساحات من الأرض بمختلف المحاصيل، وهو ما يصب في مفهوم الأمن الغذائي الذي يحتل حيزاً من التفكير الوطني منذ أزمة وباء الكورونا، وتزايدت أهميته مع الحرب الروسية – الأوكرانية، وفي واقع الأمر، يعتبر التحرك من قبل القوات المسلحة خطوة لا يمكن تجنبها في ظل البنية القائمة للاستثمار في القطاع الزراعي، والتباين في أولويات المزارعين الذين يبحثون عن أسواق تصديرية، وهذا من حقوقهم الأصيلة طالما يدفعون الضرائب والرسوم المترتبة على ذلك، وبين الأولويات الوطنية الأردنية، فالقمح الأردني لن يكون منافساً في التصدير، وسيغطي جانباً من احتياجات المملكة، وسيسهم في تعزيز المخزون الاستراتيجي لفترات أطول من السائد حالياً، ولكن لماذا يتوجب على المزارع أن يتحمل ذلك؟ المزارع الذي يمتلك القليل من الدونمات يفضل محاصيلاً أكثر ربحية وأوسع أسواقاً.
استغلال الطاقات الكامنة في الجيش أمر ضروري، وله عوائد اقتصادية كبيرة، ومع ذلك، من الضروري أيضاً أن يكون الفكر الاقتصادي الذي يعمل على موازنة الأمور مستقلاً، وبحيث لا يتحول الجيش إلى الحل السهل أو الوحيد، وبما يؤثر على جاهزيته أو عقيدته، مع تجنب ضرب التغذية الراجعة في القدرات الاستهلاكية للمواطنين الذين يعملون مع القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، فالمسألة هي إدماج الجيش في العجلة الاقتصادية وليس التشاغل بالنتائج السريعة والمرضية التي يمكن أن تتحقق في بعض المراحل.
أمامنا في الأردن ملف مهم للبنية التحتية، وتدخل الجيش في هذه المرحلة أمر مهم، لأنه يحقق وفورات كبيرة، والتخوفات من الدور الاقتصادي لا يجب أن تبقى حائلاً خاصة أن الحلول محدودة والتأخير أمر مكلف، ولذلك فالدور الاقتصادي مطلوب ومهم، ويجب أن يبدأ على أساس التوافق (العملياتي) وهو ما يتقنه الجيش الأردني وضباطه، وبالقطع، ليس للخروج بالجيش عن رسالته وعقيدته ومهامه الجوهرية في صورة تقدم للاستحواذ أو السيطرة. فالجيش العربي بعد مائة عام من تأسيسه يمتلك كل سيرة حسنة وبياناً واضحاً بالنوايا.