معايير انتقاء مديري المدارس وأثره في الإدارة المدرسية الفعالة
فيصل تايه
13-04-2022 12:14 PM
ما اثار فضولي للكتابة في هذا الموضوع رغبتي الأكيدة في نقل خبرتي المتواضعة وتجربتي الشخصية الميدانية الغنيّة خلال سني عملي في القطاع التربوي ، من خلال ادارتي للعديد من المدارس الأساسية والثانوية الأردنية "كمدير مدرسة" ، اضافة لعملي مدرباً لمجموعة من برامج التنمية المهنية المتعلقة بالإدارة المدرسية والقيادة التعليمية وتكنولوجيا التعليم ، فضلاً عن حضوري للعديد من المؤتمرات والندوات والدورات وورش العمل المتعلقة ، وكذلك اطلاعي عن قرب على تجارب بعض الدول العربية في هذا المجال من خلال زياراتي التدريبية او عملي في بعض مدارسها واداراتها التعليمية ، ولحسن طالعي ، كانت تجربتي التدريبية الثرية عند زيارتي لبعض الدول الاوروبية من خلال الدورات التي اكتسبتها هناك والتي مكنتني من الاطلاع على التجربة الالمانية والنمساوية والفنلندية الرائدة والمتعلقة بالقيادة التربوية المدرسية والقيادة التربوية الديمقراطية المتقدمة ، فاضافت لي قدراً كبيراً من الخبرة والتعلم والتدرب ، وساعدتني على تطوير ذاتي وضمان مستقبل أفضل لعملي ، حيث كانت قد تولدت لدي قناعة تامة ان خبرات الأمس لا تفيد في مجالات اليوم ، ولكي اكون قادراً على مواجهة التطور السريع ، كان لزاماً عليّ أن اطور نفسي ومهاراتي ، واجدد من خبراتي ، لأن العالم الآن لا يعترف إلا بالقدرات المتميزة والكفاءات العالية ، فكانت مجموعة الدورات التدريبية التي اكتسبتها من أهم سبل التطوير والتعليم الذاتي ، والتي وفرت لي العديد من الخدمات والمهارات والأساليب الحديثة في العمل القيادي والتطوير الذاتي ، والتي كان أثرها واضحا في مختلف اماكن عملي التربوي .
مما تقدم ، فلم اشأ اظهار خبراتي التراكمية من قبيل الاستعراض بالقدر الذي احببت الإفادة من التجربه ، فنحن نعي تماماً وضمن مجمل الظروف والتحديات التي تعيشها منظومتنا التعليمية وواقع مدارسنا في ضوء المتغيرات المستمرة والاتجاهات الحديثة في العملية التعليمية وأهمية الدور الذي يجب أن يكون عليه مدير المدرسة من كفاءة إدارية وعلمية ومقومات للشخصية ، فمدير المدرسة بوصفه الركيزة الأساسية ومحور العملية الإدارية والتعليمية والعنصر الفاعل الذي يتوقف عليه نجاح العمل الإداري والتعليمي بالمدرسة ، فقد ازدادت اهمية شخصية "مدير المدرسة" بزيادة مجالات العمل المدرسي واتساعه وكثرة التحديات التي تواجهه ، حيث بات من الضروري أن يمتلك الكفايات النوعية التي تمكنه من القيام بمهامة العصرية ، وباتت مكانة مدير المدرسة تحمله أدواراً كثيرة عليه أداؤها ، وكذلك واجبات عديدة عليه تنفيذها ، لذلك وحين ندرس واقع مدارسنا في السنوات الأخيرة نجد أن دور مدير المدرسة قد ازداد تعقداً ، فقد اصبح يحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا ﺑﺎلنسبة لكل ما يجري في مدرسته ، مع التطورات السريعة التي تشهدها العمليه التعليمية خاصة في زمن "كورونا" ، التي اختصرت الزمن للدخول في ثورة المعرفة وعالم تكنولوجيا التعليم ، لكن ورغم ذلك فالواقع يشير إلى أن نتائج ومخرجات النظام التعليمي لم يصل الى المستوى المأمول ، ما يشير إلى ضرورة مراجعة النظام التربوي وجودة التعليم العام فيه ، وإحداث نقلة نوعية في العملية التعليمية على صعيد المخرجات ، ما يستدعي بالضرورة تحسين نوعية أداء العاملين في هذا النظام ، وفي مقدمتهم مدراء المدارس ، وذلك من خلال تبني أساليب إدارية حديثة تتطلبها الضرورات الحتمية .
وفقاً لذلك ، وإيمانًا بأهمية دور مدير المدرسة في ادارة مدرسة القرن الحادي والعشرين ، والمهارات الضرورية الواجب تطبيقها ، فانني أرى أن المسؤوليات المناطة بمدير المدرسة تتطلب جهداً إضافياً من أجل أن يوجه ويدير مدرسته بطريقة حضارية ديموقراطية متوازنة ، مدركاً لحجم التحديات التي تواجهه ، ويكون ذلك من خلال التخطيط الدقيق للأهداف التربوية التي تسعى المنظومة التعليمية لتحقيقها، لذلك فمن المهم عند انتقاء "مدير المدرسة" ضرورة وضع متطلبات وأساليب حديثة فعالة وفقًا لمعايير تتسم بالجودة ، مبنيّة على تخطيط سليم يتواءم مع الطبيعة الفنية لهذه الوظيفة ، وعلى الحاجة الفعلية للأداء الإداري ، ولا بد ايضاً من وجود قواعد ثابتة تندرج من معايير مهنية لترشيح مديري المدارس ، والتي يجب أن تستند على دراسة علمية وموضوعية تتمحور حول التعلم ، وأن تتركز على القيادة ، وتعكس أعلى المعايير المهنية الممكنة ، فهذه المبادئ تكمن وراء الغاية الأساسية للقيادة المدرسية ومجالاتها الرئيسة .
من هنا دعوني اعود الى التأكيد أن عملية اختيار مديري المدارس ليست عملية سهلة ، لأن القيادة المرجوة من هذه الوظيفة تتضمن العديد من الخصائص المهنية والشخصية التي يجب أن تتوفر في مدير المدرسة ، ولكي يقوم بمهمته الإدارية والقيادية بنجاح وفاعلية يحتاج أن تتوافر فيه مجموعة من الصفات العقلية والنفسية والروحية والخلقية والبدنية التي تضمن له النجاح في عمله والتأثير فيمن حوله لصالح الإدارة التي يديرها ، فمنظومتنا التعليمية تحتاج التركيز على عمل القيادة المدرسية ، فمن اهم معايير انتقاء مدراء المدارس هي شخصية "المدير" ، التي يجب أن تلعب دوراً هاماً في سير العملية التربوية والتعليمية في مدرسته بصفته الصانع الأول للقرار ، وهو القائد التربوي الذي يؤثر في كافة العاملين ، ويمكن له ان يلهب فيهم المشاركة الكفؤة والفاعلة ، ويذكي فيهم تحمل المسؤولية تحقيقاً للأهداف التربوية المنشودة ، "فالمدير" هو الركن الأساسي الذي يقوم عليه كيان المدرسة ، وهو الدينامو المحرك لطاقاتها وإمكانياتها البشرية والمادية ، وهو ايضاً الموجه والمنسق لهذه الطاقات والإمكانيات ، ويجني معها النجاحات المأمولة لتحقيق الغايات التربوية المنشودة التي تسعى المدرسة إلى تحقيقها ، وليسهم ايضاً وفي نفس الوقت في حركة بناء المجتمع وتطويره .
انني وفي هذا السياق ادعو الى ضرورة إعادة النظر في أهداف البرامج التدريبية الموجهه لمدراء المدارس خلال الخدمة وما قبل الخدمة بحيث تهدف إلى اكساب المدير العديد من الكفايات المهنية والشخصية لمواكبة التحديات والمتغيرات ، والتي تحتاج بالضرورة الى الخروج عن الأساليب التدريبية التقليدية الخاصة بمدراء المدارس ، كالمحاضرات النظرية دون استخدام وسائل حديثة فعالة ومدربين اكفاء ، وتطبيقات عملية فعالة ، كما أن تنفيذ هذه الدورات التدريبية لمديري المدارس لم تخلو من المشكلات اللوجستية التي تعترض طريق التدريب والمتدربين ، اضافة أن معايير الاختيار المدربين وبرامج التدريب الحالية تحتاج إلي مراجعة دقيقة ووضع استراتيجية ومنظومة طويلة المدى لإعداد مديري المدارس تستجيب لاحتياجات الواقع الفعلي وتتواكب مع التغييرات المعاصرة .
انني اعلم الدور الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم في هذه الآونة وسياسة الوزير التطويرية التي تدفع بهذا الاتجاه ، والتي تعكس الدور المتنامي الذي يجب ان تكون عليه القيادة التعليمية ، فما يدور في عقلية صانع القرار في وزارة التربية والتعليم يحتوي على الأفكار والتوجهات الحكومية الحالية في هذا القبيل ، والتي تؤكد على ضرورة وجود معايير واقعية لاختيار القيادات المدرسية الميدانية ، والتي لابد ان تركز من خلالها على دور مديري المدارس في دعم عملية تطوير السياسة الحكومية وتطبيقها ، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية ، وصولاً رفع مستوى التحصيل في المدارس والحفاظ عليه من أجل تلبية احتياجات الطلبة ، فالمدرسة هي المنفذة لسياسات الوزارة ، فلا ُ يمكن أن ننجح بأي استراتيجية أو خطة نضعها ، الا اذا خرجت من رحم واقع مدارسنا ، وما يتوفر فيها من كوادر تعليمية وإدارية ميدانية ، فالمدرسة كانت وما زالت وتبقى حاضنة العمل ، وتجد بها العديد من الفاعلين التربويين من أصاحب الرؤية والشخصية والقيادة الفاعلة المؤثرة .
وأخيرا سامحوني ان اطلت ، لكنه ومن وجهة نظري كتربوي ، وكي ننجح في خطواتنا لاختيار مدراء المدارس ، يجب ان لا تخضع عمليه اختيار مديري المدارس لأسس واعتبارات شخصية غير موضوعية ، ولذلك تجدني ادعو باستمرار الى ضرورة استنبات قيادات تربوية ميدانية ، وكذا التنقيب الجيد عن الاشخاص الذين يتصفون بصفات قيادية ، ودراسة واقعهم العملي ، وتمريرهم بمرحلة التجريب والمتابعة ليكونوا تحت المراقبة والملاحظة من خلال الممارسات اليومية والمواقف المختلفة عبر اختبار القدرات الإنسانية والذهنية والفنية لديهم ، وصولاً لمرحلة التقييم ليتم فيها تقييمهم بناء على معايير محددة سابقًا ، حيث يتم فيها تشخص جوانب القصور والتميز والتفاوت في القدرات ، ومن ثم الدخول في مرحلة التأهيل ليتضح مما سبق جوانب القصور والضعف في الشخصيات ، حسبما تقتضيه الحاجة لعملية التدريب والتأهيل ، وبناءً عليه تحدد الاحتياجات التدريبية ، ويختار لهذه البرامج المدربون ذوو الخبرة والتجربة والإبداع لتأهيل الاشخاص المنتقين لمرحلة التكليف ، وليتم اختيار مجموعة منهم في مواقع قيادية متفاوتة المستوي والأهمية لفترات معينة ، لنضع الجميع علي محك التجربة وصولا لمرحلة التمكين ، بعد أن ﺗﺄخذ هذه العناصر فرصتها من حيث الممارسة والتجربة وتتضح المعالم الأساسية للشخصية القيادية لكل واحد منهم ، ثم تفوض لهم المهام حسب قابليتهم لها ومناسبتها لهم.
والله الموفق .