بعد اسلوب المقايضة والتعامل بالذهب لاكثر من سبع آلاف سنة دخلت البشرية في عصر الاوراق البنكية وبدأ التعامل ينصب حول الاوراق باعتبارها شهادة اقرار للقيمة الذهبية ومع تنامي مرحلة نفوذ الدول اخذ ميزان الثقة للاوراق البنكية يكون لصالح الدولة المصدرة للعملة على حساب القيمة الحقيقية للورقة البنكية واخذ المشهد العام لسوق العملات يقدر ميزان الثقة من على معادلة نفوذ الدولة وقوة اقتصادها واخذ الدولار يسيطر على المشهد العام فى التجارة الدولية على حساب الذهب وشهاداته الورقية حتى بات التعامل يكون في التجارة الاستراتيجية لصالح الدولار على حساب بقية العملات وقيمها الذهبية.
وهذا ما يمكن مشاهدته في التعامل العضوي القائم بين البترول والدولار او ما يمكن تبيانه في معظم التعاملات التجارية الاساسية كالادوية والصناعات الثقيلة او غيرها من المنتجات الغذائية مثل السكر والقمح والرز والبن والشاي حتى باتت الغالبية العظمى من الاعتمادات البنكية تقوم على معادلة الدولار التي اصبحت تشكل العملة الاساس المعتمدة في التعامل التجاري وهذا مرده ليس فقط لوزن العملة الامريكية في ميزان الذهب بل لواسع نفوذ الولايات المتحدة وقوة اقتصادها ومناخات الثقة في التداول التي تحكم حركة البنوك والتعاملات التجارية.
ومع دخول الحرب في أوكرانيا بمناخات حرب العملات العالمية بدأت بعض الدول تبتعد عن الدولار بميزان التعاملات التجارية وبات واضح ان ميزان الضوابط والموازين الخاص بالعملات بدأ يعيد تشكيل قوامه نتيجة دخول لاعبين جدد في منظومة العملات الرئيسية التي تسيطر عليه دون منازع الولايات المتحدة وبشكل احادي لكن مع تضييق الاسواق على الصين ووصول الحرب في أوكرانيا الى منازل عميقة اخذ الليوان الصيني يشارك الدولار بنسبة ومساحة في هذا الميزان وكما دخل الروبل الروسي ليأخذ مساحة اخرى في ظل الحالة الضدية القائمة بين موسكو وواشنطن.
ومع ارتفاع وتيرة هذا التسابق وتخلي الصين وروسيا عن الدولار الامريكي والدولار الاوروبي بدأت بعض الدول في الشرق الاوسط بالتفكير الجاد للتخلي عن الدولار لصالح الليوان الصيني كما تفعل مصر والروبل الروسي كما تحسب السعودية كما تشير بعض التقارير العالمية وهذا ان حدث فانه سيجعل العالم يدخل في تسابق اخر محموم وعميق وسيدخل فيه عمق القرار العالمي كما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهذا يعني اعلان حرب عميقة بصيغة من باب حرب العملات.
الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوربي والدول الحليفة مازالوا يتحكمون في المساحة الاكبر في ميزان التجارة العالمي لكن هذه المساحة بدأت بالقضم نتيجة دخول الولايات المتحدة بحالة من الخصام التجاري بينها وبين دول وازنة مثل الصين وروسيا وهو
ما يجعل من حرب العملات قيد الاشتعال وفي اضطراب مستمر والميزان التجاري العالمي في ترنح مضطرب نتيجة اسقاطات مناخات السيطرة التي تريدها الولايات المتحدة لبسط نفوذها على مجريات الاسواق العالمية.
وهذا ما باتت بحاجة لاستدراك سريع يربط ميزان الحركة بين الثلاث جهات الرئيسية المتحكمة في اطوار الانتاج من جهة والدول الاخرى المسيطرة على سوق العملات من جهة اخرى والجهة الثالثة المسيطرة على الامن التجاري والعلامات الفارقة الانتاجية والتي تتزعمها الولايات المتحدة وهذا ما يصعب الدخول معها في اتون مساحة الحركة في هذه الاجواء فهي من تقوم على اصدار شرعية للعملات وهي ايضا من تتحكم بالمسارات الامنية للتجارة الدولية كما انها ايضا من تسيطر على علامات الثقة الانتاجية.
فان الدخول في معركة من على ارضية كهذه بحاجة الى حسابات عميقة وليس فقط لمعادلة حسابية تقوم على المصلحة الذاتية للدول فلم يسجل بالتاريخ الحديث ان دولة خرجت عن هذا النظام من باب ربط الدولار بالبترول الا العراق في عهد صدام حسين فكانت النتيجة ان ذهب نظامة ومازلت العراق تتطاردها اجواء التقسيم فان الحذر واجب في الاجتهادات فالمعادلة ليست بسيطة يراها البعض وامريكا بايدن ليست ضعيفة لكنها تستخدم الاسلوب الدبلوماسي الناعم القوي وتستخدم اسلوب تجفيف الروافد للخصم واستنزافه كما تغير من على ايقاع شعبي كما فى باكستان عمران خان.
فانه على ما يبدوا ان القوى الاستراتيجية تريد ادخال بعض الدول المستهدفة باصطفافات قد تقودها لمنزلقات سيتم التفاوض حولها في المستقبل المنظور وعندها سيصعب على هذه الدول الاستدراك سيكون ما عليها الا الانصياع لاشتراطاتها ان ادخلت فيها في ظل حرب العملات السائدة والتي يبدو ان نتائجها ستكون لصالح تشكيل منظومة مالية اخرى تقوم على منظومة العملات المشفرة المعروفة باسم الكريبتو بعد المؤتمر الناجح الذي عقد في ميامي مؤخرا والذي تم بموجبه تشكيل حضانة لتداول للبتكوين.