هل نشهد بداية انهيار الدولرة؟
أ.د. جهاد حمدان
12-04-2022 03:45 PM
قال جهاد حمدان إنه لا يوافق على مصطلحات مستخدمة مثل الغزو في مقال لأخيل أرميش قام بترجمته.
وتاليا نص المقال المترجم:
بدأ عام 2022 بمتغير أوميكرون سريع الانتشار. وبعد أسابيع قليلة من الراحة، بدأ أواره يخمد في جميع أنحاء العالم. وبدا وكأن العالم قد دفن واحدة من المأسي وآن له أن يفرح لفترة طويلة جدًا. ولكن بعد عدة أسابيع، دخلت روسيا أوكرانيا، مع ما تبع ذلك من موت ودمار وفوضى اقتصادية عارمة في جميع أنحاء العالم.
لا يمكن مقارنة الغزو الروسي لأوكرانيا بأي غزو آخر في التاريخ بسبب أهميتها الجغرافية الاقتصادية. إذ تعد كل من أوكرانيا وروسيا مصدرين رئيسيين لسلع مثل النفط الخام والغاز الطبيعي والحديد والصلب والقمح والزيوت النباتية التي لها تأثير مباشر على مستويات التضخم في الاقتصادات العالمية الرئيسية.
فبينما كان الاقتصاديون قلقين بشأن الانخفاض الكبير في مستويات الاستهلاك الناجم عن عمليات الإغلاق المرتبطة بـ COVID-19 وتقليص الطلب مما أدى إلى هبوط أسعار النفط الخام إلى صفر دولار للبرميل قبل عامين، فإنهم الآن قلقون بشأن العكس تمامًا - أي ارتفاع أسعار النفط الخام لتصل إلى أكثر من 130 دولارًا للبرميل، وأن يصل سعرالغاز الطبيعي إلى 5.7 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (MMBtu).
وشهد العالم زيادات في أسعار القمح وزيوت الطعام وسلع أخرى مع إمكانية أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على متوسط جو ليس فقط في الولايات المتحدة والعالم الغربي ولكن في نصف الكرة الجنوبي، حيث الصدمات الناجمة عن التضخم أكثر حدة.
ولصب الزيت على النار، اختارت الولايات المتحدة أسوأ سلاح ممكن لردع روسيا وهوالعقوبات الاقتصادية. فمن خلال فرض عقوبات على روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط الخام وأكبر مورد للقمح في العالم، أشعلت الولايات المتحدة الديناميت الذي قد يؤدي انفجاره إلى حالة ركود في الأشهر الستة المقبلة، كما توقع العديد من الاقتصاديين.
ومع ذلك، فإن التحدي على المدى البعيد بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في الحفاظ على التاج على رأس الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية/الورقية العالمية الرائدة. لقد كان للعقوبات الأحادية الجانب التي فرضها الغرب على روسيا نتائج غير منظورة أدت إلى ارتفاع مستويات التضخم في أوروبا وشرق إفريقيا وجنوب آسيا، التي تعدّ أكبر مستوردي القمح والطاقة من روسيا. ولما كان البحث عن بدائل وإنشاء سلاسل توريد بديلة يستغرق وقتًا طويلا علاوة على كلفته الخيالية، بدأت معظم الاقتصادات بإنشاء آليات مختلفة للالتفاف على العقوبات. وتتراوح هذه الآليات بين التجارة بالمقايضة إلى التداول بعملاتها المحلية بدلا من الدولار.
وقد أثار الخيار الأخير جدلا حول استخدام الدولار في التجارة العالمية، ليس فقط بين الحلفاء الثابتين لأمريكا، بل تعدى ذلك إلى البلدان التي تقف على الحياد بشأن التدخلات الأمريكية العالمية. إذ تسهم دول مثل البرازيل والصين وجنوب إفريقيا والهند التي تعد جزءًا من مجموعة البريكس بأكثر من 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و 16 في المائة من التجارة العالمية. والأمر كذلك في أفريقيا، التي تسهم بثلاثة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن ينمو حجم هذه المساهمة إلى ستة أضعاف بحلول عام 2050، ومن المرجح أن تعيد العديد من البلدان النظر في التجارة بالدولار.
لا تستطيع اقتصادات الدول النامية والأسواق الناشئة استيعاب صدمات التضخم بسهولة. ففي عدد من هذه الاقتصادات، يمكن أن يؤدي ارتفاع مستويات التضخم إلى أزمة في ميزان المدفوعات وحتى إلى الإطاحة بالحكومات. ومن ثم، فمن الطبيعي أن تبحث هذه الاقتصادات عن طرق للالتفاف على العقوبات الأمريكية. فحتى أوروبا، التي هي جزء من التحالف الغربي، سعت إلى التوصل إلى ترتيبات تجارية بين الروبل واليورو لمنع أي اضطرابات في إمدادات الغاز الروسي. وبالنسبة لأوروبا، لا سيما إيطاليا وألمانيا، فإنّ الغاز الروسي هو الذي يبقي المصانع تعمل والمنازل مضاءة. وبدون الغاز الروسي، سوف تتوقف اقتصاداتهم. لذلك، فمن الضروري أن ينشئوا آليات بديلة.
علاوة على ذلك، يمكن أن تضع هذه التطورات أوروبا على مفترق طرق – فإما أن تعطي الأولوية للتحالف الأطلسي وتدعم الولايات المتحدة بشكل أعمى، حتى لو كلفها ذلك اقتصاديًا،أو أن تضع المصالح الاقتصادية الأوروبية في المرتبة الأولى على علاقاتها مع الشريك الأمريكي عبر المحيط الأطلسي.
إن آثار هذه العقوبات أكثر عمقًا في جنوب الكرة الأرضية. فعلى سبيل المثال، تستورد الهند أكثر من 80 في المائة من حاجتها من النفط الخام وسيتحول ارتفاع الأسعار إلى تضخم وحتى إلى أزمة في ميزان المدفوعات إذا اشترت بأسعار السوق الحالية. ومن الطبيعي أن تنظر بجدية في العرض الروسي لبيعها النفط الخام بخصم يصل إلى حوالي 30 في المائة من سعر السوق.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تحدث بوتين في خطابه عن تنويع العملات الاحتياطية على شكل عملات وطنية وذهب وسلع أخرى. وقد لا تكون روسيا وحدها التي تفكر في تنويع الاحتياطيات. فهناك بلدان في شرق إفريقيا وجنوب آسيا تأثرت بشكل غير مباشر بالعقوبات وقد تواجه عقوبات ثانوية مما يدفعها للبحث عن أصول أخرى.
وفي حين قد يفشل أساتذة العلاقات الدولية والاقتصادييون الأمريكييون في النظر إلى أمريكا بعيدا عن وهج الدولة المزدهرة، فقد تكون بلدان جنوب العالم أقل هياما بالفرادة الأمريكية فتبدأ البحث عن بدائل للدولار.