فلسطين بين المقاومة والمهادنة ..
محمد حسن التل
12-04-2022 03:42 AM
من المرجح أن تشهد مدن وقرى ومخيمات فلسطين مزيدا من التصعيد والمواجهة في الأيام القادمة، لنية المستوطنين الصهاينة الاحتفال بما يسمى عندهم "بعيد الفصح اليهودي " وتقديم قرابينهم في ساحات المسجد الأقصى خلال هذا الشهر الفضيل ، وهذا أمر غاية في الخطورة حيث سيبادر الفلسطينيون لحماية الحرم القدسي من التدنيس وبالتالي المواجهة واقعة بالتأكيد، كذلك برز مؤخرا سببا جديدا سيكون له دور كبير في التصعيد بين الفلسطينيين والاسرائيليين حيث اهتزاز الائتلاف الحكومي في تل أبيب وإمكانية انهياره وهذا يعني العودة إلى انتخابات مبكرة وكما جرت العادة ستكون ورقة الدم الفلسطيني الأقوى في المزايدات الانتخابية، وسيتبارى قادة الكيان الإسرائيلي بقدرتهم على قتل الفلسطينيين وتشريدهم حتى يحوزوا على أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين الإسرائيليين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع الإسرائيلي في معظمه ينحاز إلى التطرف والعداوة المطلقة للفلسطينيين والعرب، وفي المقابل ستشتد المقاومة الفلسطينية في مواجهة التطرف الإسرائيلي.
لا أعرف أن التاريخ شهد أو سيشهد قيادات سياسية غبية كالقيادات الإسرائيلية، حيث تصر على الجلوس في دوامة النار وتتمسك باحتلال الأراضي الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، ولا تريد أن تقتنع أن الفلسطينيين لو تخلى عنهم كل البشر لن يتنازلوا عن شبر من أرضهم أو حق من حقوقهم وأن ما حدث عامي 1948 و 1967 لن يتكرر أبدا، حيث لا يوجد الآن فلسطيني واحد يقبل أن يترك أرضه ووطنه، فذلك الزمن ولى ولن يعود، وإسرائيل تواجه اليوم أجيالا عنيدة صلبة في مقاومتها، ولو استمرت آلة قتلها وتدميرها ألف عام لن تنال من إرادتهم شيئا، وهذا أمر واقع منذ عقود، وشعلة المقاومة يتسلمها جيلا بعد جيل حيث ولى زمن الزعامات التي تقرر عن الناس.
لو وقف قادة إسرائيل وقفة تفكر وتمحيص لعلموا أن مشروعهم الخرافي في فلسطين لا مستقبل له مهما حاولوا ومهما بطشوا ومهما زيفوا الحقائق، فهم يواجهون اليوم شبابًا متسلحين بإيمانهم بأن فلسطين لهم وهم أصحاب الحق فيها، وفشلت كل المحاولات البائسة في زحزحتهم عن قناعاتهم هذه خلال العقود الماضية.
إسرائيل اليوم تطرق كل الأبواب العربية والعالمية لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وتتجاهل أبواب الشعب الفلسطيني لعلمها جيدا أن هذه الأبواب لن تفتح بوجهها أبدا ما دامت لا تعترف بحق هذا الشعب بالحرية والحياة على أرضه.
القادة الإسرائيليون في العقود الماضية كانوا يحاولون صناعة السلام مع الشعوب، لأنهم يدركون جيدا أن لا سلام بدون الشعوب، وحاولوا اختراق الشعب الفلسطيني لكنهم فشلوا في ذلك، لأن هذه الشعوب بعيدا عن القيادات السياسية لن ترضى بسلام دون عودة الحقوق الفلسطينية، والشعب الفلسطيني لن يساوم على حقوقه مقابل ما يسمى "بتحسين مستوى المعيشة"، فهو يخوض معركة وجود لا معركة خبز، لأن الأجيال الجديدة تدرك أن لا كرامة دون أرض ودولة ومقدسات، لذلك لجأوا إلى الحكومات التي كان بعضها للأسف جاهز للسلام مع إسرائيل دون مقابل بقصد إزاحة حمل القضية عن كاهلها والتبرؤ منها ولكن هي والقادة الإسرائيليون يفهمون جيدا أن لا سلام إلا مع الشعوب أولا بعد الاعتراف بحق الإنسان الفلسطيني بالحياة والأرض والحرية.
الكيان الإسرائيلي يمارس أبشع أساليب القتل والتدمير على شعب أعزل ويسخر آلته الحربية الضخمة ضد شباب ونساء فلسطين ويصب على رؤوسهم الموت والدمار لكنه مسكون بالرعب منهم لأنه قادتهم يدركون في داخلهم أن أصحاب الحق يقبلون على الموت من أجل قضيتهم بكل صدور منشرحة وجنوده رغم السلاح المدججين به يرتعدون خوفا ورعبا من طفل فلسطيني حين يمر من جانبهم فيطلقون النار عليهم بحجة الدفاع عن أنفسهم، والعالم المنافق يرى ويسمع.
كلما زادت إسرائيل من تمسكها بعدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية تعمقت جذوة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، ومهما تفعل وتخطط وتحاول حماية نفسها يخرج عليها شاب فلسطيني يقوم بعملية من حيث لا تدري ليذكرها بأنها كيان هش ضعيف مرعوب وستظل كذلك ما دامت لا تريد صناعة السلام مع أصحاب الحق.
والخطورة في العمليات الأخيرة أن الشباب المنفذين لها رغم خلفياتهم السياسية إلا أنه من المرجح أنهم قاموا بعملياتهم بقرار من أنفسهم، وهذا يعني أن المقاومة في فلسطين كلها سواء المدن المحتلة في عام 48 أو الضفة بدأت تتحول إلى تيار يجتاح تفكير الشباب الفلسطيني كله، ومع هذا يصر قادة الكيان على غرورهم وتمسكهم بسطوهم على حقوق الفلسطينيين ضاربين بعرض الحائط حياة مواطنيهم.
ما يدور في فلسطين هذه الأيام يقول للإسرائيليين مهما حاولوا القفز خارج حدود فلسطين وظنوا أن عواصم كثيرة في المنطقة حين فتحت أبوابها لهم وهادنتهم أنهم سيحاصرون الشعب الفلسطيني، لكن المواجهة ستظل بينهم وبين أصحاب القضية وحدهم، وستظل حياة الإسرائيليين مهددة ما دام شبر أرض فلسطينية محتل. إسرائيل تستفز الفلسطينيين وخلفهم مليار مسلم بما تفعله في القدس والأقصى، وهي ومن يهادنها يعلمون جيدا أن العبث بهذا الملف هو بمثابة إشعال نار التي إذا امتدت ستحرق المنطقة بالكامل، فالأقصى قضية الله، فلا تعبثوا مع الله.