لعاب المنية، قتال الترهل الخجول
د. نضال القطامين
12-04-2022 03:28 AM
تقول اللغة، ترهَّل الشَّخص أي رهِل، وورِم وانتفخ واسترخَى لَحْمُهُ، فماذا تقول أوتوغرافات التطوير والتخطيط الرشيق؟
ثبت أنه إِعَاقَة وبَلاَء، سَقَم وعَوْرَة ومَثلَب، وَصْمَ العمل في القطاع العام في الأردن، ونشأ وترعرع في كنفه منذ البدايات، ولم يكن بوسع كل خطط مكافحته أن تضفي عليه ثوبا فيه ظَرْف أو ليَاقَة أو لَبَاقَة، ليبقى في أسماله البالية الرثّة، ولتتراكم طبقات جلده الثخينة الصفيقة، فتغدو نبالا تتكسر عليها النبال والخطط والمراجعات والخلوات والتعليمات.
غدا مَأْزِق الترهل واقعا أليما، وبات في طليعة أولويات الإصلاح، فيما أقتربت شواهده من ان تكون حقائق مسلّمة، وبات لزاما على أجهزة الحكومة المختصة في الرقابة والتطوير، أن تبدأ تدبيرا حاسما يحتوي على مراجعة شاملة تستهلها بالتثقيف السريع وتطوير أدوات الرقابة وإجراءات ردع سريعة ومؤثرة، وسوى ذلك، سندخل في نفق مظلم طويل يُقنّن فيه الفساد والرشوة والمحسوبية، ويستمرئها الموظفون، بينما تحلّ علينا لعنات الخسائر والضعف وتراجع القيم واختلال الثقة العامة.
منذ عقود والحكومات تتوعد الترهل بسيف أبو حيَّة النميري لعاب المنية، وتمنح كفاحه سطورا كبيرة في خطاباتها، لكنه يزداد مع كل خطاب، بدانة واكتنازا، ولا تمنحه هذه الخطابات سوى مزيدا من تكريسه وتثبيت أركانه وامتهانه.
لا تدريب ولا عقاب ولا ردع، يمشي الترهل الهوينى في أروقة القطاع العام، ويؤسس لأن يكون نمطا اجتماعيا وواقعا مفروضا، تُبرر فيه الرشوات وتعقيدات المعاملات، وقد يكون ذاك، إذا لم تُنتضى سيوف الحكمة والرقابة والحسم، ولا بأس أمام هذا التراجع المبين والعجز الفاضح في تحضير ترياق الورطة، أن يُطرح التصدي لتطوير القطاع العام للإستثمار وأن يُعرض على مؤسسات عالمية متخصصة، وأن نعترف بأن هذا القلق بات متجذّرا ويكاد أن يكون ثقافة واقعة، وأن كل الإحتمالات مطروحة لاستئصاله.
في كل خطاب تكليف سامٍ وجّه جلالة الملك لتطوير القطاع الحكومي ووضع حدود للترهل والتقاعس، كتبت كثيرا عن استحداث دائرة متخصصة في كل وزارة ومؤسسة، للنظر في شكاوى الناس المواطنين والمستثمرين، غير أن لا أحد يقرأ ولا أحد يعنيه مجرد التفكير في حلول.
أقرأ مع معالي الأخ الدكتور بسام البطوش ما كتبه عن دولة فيصل الفايز، " لا تملك إلا أن تحترم اتساقه المنطقي مع مسيرة حياته، ووفائه لنصف قرن من العمل في مؤسسات الدولة الأردنية على تنوعها، وشعوره بهموم وطنه، وخوفه على مستقبل بلده، على قاعدة الولاء غير المشروط للقيادة والعرش والوطن، ويؤطر مساحة تحركه وخياراته على هذه القاعدة، وينطلق منها لمقاربة شؤون الوطن والدولة بقراءة نقدية هادفة للاصلاح المنسجم مع خصوصية الأردن وظروفه وواقعه، وبما يكفل تحقيق المصلحة الوطنية العليا".
وأقرأ مع دولة أبي غيث قلقه المبدع الخلّاق في التشخيص وطرح العلاج، وأثني على تصديه الدائم للحديث بشفافية وحرقة وإخلاص، وأرى أنه من القلائل الذين يؤرقهم مستوى الضعف في التصدي للترهل وقد بات سمة قاتمة في قطاعنا العام، وللحديث تفاصيل.