ماذا نحتاج في نظر صاحب الرئاسات الأربع؟
د. بسام البطوش
11-04-2022 12:06 PM
في الجلسة النقاشية الرمضانية التي نظّمتها مؤسسة مسارات للتنمية تحت عنوان: ما الذي يحتاجه الأردن؟ تحدّث دولة فيصل الفايز بصراحته المعهودة في الشؤون الأردنية؛ فالرجل الوحيد الذي شغل في المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية الرئاسات الأربع (الوزراء والديوان والنواب والأعيان) لديه رؤيته وموقفه، ويقول ما يؤمن به. وسواء اتفقت مع طروحاته أم اختلفت، لا تملك إلا أن تحترم اتساقه المنطقي مع مسيرة حياته، ووفائه لنصف قرن من العمل في مؤسسات الدولة الأردنية على تنوعها، وشعوره بهموم وطنه، وخوفه على مستقبل بلده، على قاعدة الولاء غير المشروط للقيادة والعرش والوطن، ويؤطر مساحة تحركه وخياراته على هذه القاعدة، وينطلق منها لمقاربة شؤون الوطن والدولة بقراءة نقدية هادفة للاصلاح المنسجم مع خصوصية الأردن وظروفه وواقعه، وبما يكفل تحقيق المصلحة الوطنية العليا.
تحديات تاريخية
الراهن الأردني - في نظر الفايز- عالق في قلب أزمة متعددة الأوجه غير مسبوقة بحسب تعبيره، وهذا الراهن لا يختلف كثيراً عن سياقات التاريخ الأردني في المئوية الأولى، كما ظهر في المقدمة التاريخية التي استهل الفايز حديثه بها، ربط الحاضر بالماضي وبتاريخ من التحديات والأزمات أدمنها الأردن، واجهت الملك المؤسس، والخيارات الصفرية المحدودة التي كانت بين يديه، لكنه نجح في وضع الكيان الأردني على خريطة المنطقة، وانتزع الأردن من براثن المشروع الصهيوني، وشرع في بناء دولة ومؤسسات، وفي مقدمتها الجيش العربي الذي شكّل نواة الهوية الوطنية، ونجح في التعاطي مع زعامات وطنية قوية، وسلطة انتداب تشكل مساعدتها المالية المورد الرئيس لخزينة الدولة الناشئة، واستثمر المعارضة الوطنية الأردنية لتعزيز موقفه في مواجهة الانتداب. وهذا الحال هو ذاته في عهد الملك الحسين الذي استكمل بناء الدولة والمؤسسات، وأبلى بلاء إسطورياً في مواجهة التحديات المفروضة على الأردن بكل مصادرها وأشكالها، والحال هو ذاته مع الملك عبدالله الثاني الذي واجه ويواجه سلسلة من التحديات والمصاعب انطلاقاً من القضية المركزية الفلسطينية، واحتلال العراق، والربيع العربي، وما رافق هذه التحولات وما تلاها من أزمات وتحولات إقليمية ودولية فرضت نفسها.
الأزمة مركبّة وغير مسبوقة
يحيل دولته مشاكلنا الاقتصادية إلى أمرين، هما: الموارد الشحيحة والأزمات الإقليمية والدولية المتتالية، ويؤكد أن هذا لا يعني أنه يبريء الحكومات من الأخطاء وسوء التخطيط وضعف المتابعة. والحل في نظره يكمن في حزمة من المشاريع الكبرى، والعودة إلى الأرض والزراعة والثروة الحيوانية. وهو يؤمن بأن المياه متوفرة، ولا مفر من جمع المياه السطحية المهدورة والعابرة للأردن سنوياً في مواسم الخير، وبناء عشرات السدود الترابية، وضرورة استصلاح الأراضي في وادي عربه والديسه والبادية الشرقية، وهذا يشكل مدخلاً للتغلب على مشكلة البطالة بين الشباب، التي بلغت معدلات مقلقة، كما يساهم في توفير الأمن الغذائي الوطني.
وفي الشق الاداري يرى دولته أن الادارة الأردنية تعرضت لتراجع كبير، وتعاني من الترهل، وتراجع جودة الخدمة، وتغلغل ثقافة الانحياز الجهوي والمناطقي والمصلحي، كما تعاني من التنمر. وفي الشق الاجتماعي ومن موقعه كزعيم قبلي - بحسب تعبيره - يرى أن الأردن يعاني من ثقافة مجتمعية تؤيد الواسطة والمحسوبية، وتؤمن بممارسة الضغط الاجتماعي على الادارة، في ظل تراجع دور الأسرة والتعليم وتراجع دور المعلم ومكانته، ويؤكد أن التقدم الاجتماعي هو أس التقدم الاقتصادي والسياسي. وأن التقدم نحو دولة مدنية واصلاح سياسي يتطلب تقدماً في المسار الاقتصادي -الاجتماعي، كما يحتاج مناقشة منطقية لآفاتنا الاجتماعية بغية إصلاحها. وتمتد الأزمة – في نظره- إلى ما هو أعمق، في ظل تراجع الثقة بالدولة، وتراجع المصداقية والشفافية، وضعف العمل الميداني للمسؤولين. وهنا يشير الفايز إلى مسؤولية النخبة السياسية ورجالات الدولة، وغياب دورهم في مصارحة الناس، وفي توضيح ما يجري والتواصل الفعال مع الشعب، فمواقفهم تتوزع بين الصمت أو النقد، وهو لا يختلف مع النقد البناء، لكن الحرد السياسي يقود البعض إلى التنصل من مسؤوليته ومساهمته في صناعة هذا الواقع.
ماذا يحتاج الأردن؟
خريطة الطريق لدى الفايز واضحة، تتضمن التأكيد على ضرورة الالتفاف حول العرش وجلالة الملك صمّام الأمان للدولة والوطن. وهذا يرتبط بقدسية الوحدة الوطنية وحتمية صونها من كل ما يسيء اليها، وأهمية تمتينها وتصليبها. ووجوب دفع عجلة الاصلاح الشامل. ويؤمن الفايز بأننا أمام فرصة تاريخية لصياغة المستقبل، عبر الاصلاح السياسي القادم بتؤدة وصبر، وأن مجالس النواب والحكومات الحزبية البرلمانية قادمة عبر سلسلة خطوات متدرجة، بدأت بالتعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخاب، ويفصح أننا نحتاج للتدرج لترسيخ التحولات السياسية القادمة نظراً لحقائق اجتماعية وثقافية مؤثرة لا يمكن تجاهلها، يراها من موقعه رجل دولة شغل أرفع المواقع السياسية، وزعيم قبلي يفهم الواقع الثقافي والاجتماعي الأردني.
وما أعاق مسيرة الاصلاح السياسي في الأردن – برأيه - يعود لظروف الأردن، وما أحاط به من تحديات قادمة من الجوار، وما شكلته الأحزاب والتنظيمات والتيارات الناصرية والبعثية والقومية والشيوعية من تحديات للأمن الوطني الأردني في مراحل عدة عبر عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وتلقيها التوجيه والتمويل من الخارج، مما أعاق مسيرة الاصلاح السياسي في الأردن، فالمعارضة المرتبطة بالخارج وبدول شمولية، انخرطت في مراحل بمعارضة الدولة وليس الحكومات، مما دفع الدولة للتوجه نحو الأحكام العرفية في محطات مفصلية، أصبح فيها أمن الوطن وسلامته في خطر. وكما لا ينفصل الفايز عن واقعه الاجتماعي؛ فإنه لا ينظر بعيون استشراقية للأزمة المركبة وغير المسبوقة التي شخّصها، بل نجده يعبّر بصراحته المسؤولة أن القاعدة الصلبة للاصلاح السياسي تتمثل في الاصلاح الاقتصادي – الاجتماعي؛ فلا يمكن لمواطن يعاني اقتصادياً أن ينشغل بالعمل السياسي، مشيراً إلى استطلاعات الرأي التي تقول بعدم اقبال 70% من الشباب على العمل الحزبي، باعتباره لا يمثل أولوية بالنسبة لهم، فبرأيه في ظل معدة خاوية وبطالة متفاقمة لا مجال لعمل سياسي وحزبي صحي، وهذا يحيلنا إلى فتح ملفاتنا الاقتصادية - الاجتماعية بشفافية ومصداقية، بما يلبي احتياجات الأردن القادم.