نحو إصلاح وطني هادئ ومتوازن وتنمية مستدامة
د. محمد ناجي عمايرة
11-04-2022 11:22 AM
نتابع باهتمام على وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء ومواقع التواصل الاجتماعي الأحاديث والاقاويل والفتاوى عن الإصلاح والفساد والحريات العامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وتمكين المراة والشباب.
وهذه الأحاديث لها وعليها الكثير: فأكثرها يلجأ إلى التعميم وبغير أدلة ولا وقائع مقنعة. ففي رأيهم أن الفساد "عام طام" وأن الأخلاق والقيم أصبحت "مفقودة " وأن العدالة غائبة تماماً، وأن كل من يتولى المسؤولية حالياً أو تولاها سابقاً يشار إليه بأصابع الشك والريبة والاتهام بالفساد ونهب المال العام.
وبالمقابل هناك من يدافع عن الماضي القريب والواقع الراهن ليجعله أبيض ناصعاً لا غبار عليه ولا شكوك ولا يأتيه الباطل من أي جانب. وفي رأيي أن الرأيين يفتقران إلى الصواب، فالدنيا ليست "ظلاما دامسا" لكنها أيضا ليست " قمرا وربيعا". وإذا كان الامر كذلك فعلينا أن نعيد تشكيل الصورة على وجه آخر لتكون أقرب الى الواقعية والدقة.
إن المراجعة الموضوعية لبعض صفحات تاريخنا الوطني على مدى المئوية الاولى تدلنا على كثير من المنجزات والمكتسبات التي كنا وما نزال نعتز ونفخر بها على الرغم من أن بعض "أسراب البوم" تنعاها وتنكرها إنكارا تاما. وهؤلاء لا يدركون طبيعة تطور العمران البشري وقدرة الإنسان على الخلق والإبداع والتحديث والتطوير ولا يعلمون أن التغيير الطبيعي أفضل من اللجوء إلى القوة والعنف والانقلاب على الواقع وأن تجارب الأمم والشعوب تنتفع بعضها ببعض.
بالطبع لا ينكر وجود الفساد إلا مكابر، ولا يتجاهل الإنجاز إلا جاحد، فكلاهما موجود وكلاهما يحتاج إلى جهد يقتلع الفساد من جذوره ويطور الإنتاج والإنجاز ويراكمه، ويزيل كل ما يعيقه.
هناك من جهة من يعرض عن رؤية الفساد وهناك من جهة أخرى من يصرف نظره عن المنجزات بدعوى انها من التطور الطبيعي. وأحسب أن كلا الطرفين على خطأ أو أن نظرته احادية وانتقائية.
وقد ذهبت في مقالات سابقة إلى أن الإصلاح لا يتجزأ، وأنه حزمة واحدة متكاملة.. كما أن الإصلاح ينبغي أن يشمل السياسة والإعلام والاقتصاد والزراعة والصناعة، ويتصل بالتربية والتعليم والجامعات والثقافة وهو معني بتعزيز المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وحل مشكلات الفقر والبطالة والتباين الطبقي وتمكين المرأة والشباب. وإنصاف المتقاعدين والعاملين وترسيخ منظومة حقوق الإنسان كافة، وتطوير المنظومة الإدارية.
وقد لاحظت أن حكوماتنا السابقة منذ بدايات تأسيس الدولة وإلى اليوم ظلت تضع في أساس خطاباتها وبرامجها مطالب الإصلاح والتطوير والتنمية والتحديث.
ونحن اليوم في مرحلة تتطلب أن يكون الإصلاح البوصلة مؤسسياً ومستمراً وتدريجياً حتى لا نتفرع كثيراً وتضيع منا البوصلة الهادية. واتفق هنا مع من يرى أننا نتطلع إلى الإصلاح الشامل الهاديء البعيد عن "قيل وقال"، وهذا مرتبط بأشخاص صالحين ومصلحين من جهة وديموقراطيين من جهة أخرى.. وأنا هنا لا أنزع هذه الصفات عن أحد، ولا أثبتها لأحد. وعلينا أن نتبين ذلك بالتجربة والبرهان لا بقول أو تزكية لا ثقل لها في الميزان.
لقد مضى على الأوراق النقاشية التي وضعها جلالة الملك كمنطلقات للإصلاح والتطوير في الدولة بضع سنوات تشكلت خلالها عدة حكومات ولم تنهض أي منها بمسؤوليتها وواجبها في التأسيس على تلك الأوراق لبناء برنامج وطني للإصلاح والتطوير والنهضة المنشودة بل أن بعضها قد أجرى قراءة سريعة لبعض الأوراق ظلت بعيدة عن فحواها ولم تقدم ما يضعها موضع التطبيق العملي. كما أنها لم تضعها في إطار مشروع وطني شامل، بالرغم من كثرة الحديث عن مشاريع إصلاحية لم تر النور.
لقد أنجزت اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية أعمالها بنجاح وأخذت التعديلات الدستورية التي اقترحتها ومشاريع قوانين الانتخاب والاحزاب مجراها الدستوري بإقرارها من مجلسي النواب والأعيان. ولا مجال للعودة الى الوراء. وهذه مرحلة مهمة وتعطي مؤشراً إيجابياً على طبيعة المرحلة القادمة. ونحن ننتظر أن تتولى الجهات المعنية وضعها موضع التنفيذ لإجراء مراجعة دقيقة لوضع الاحزاب المسجلة، أو تشكيل ائتلافات حزبية جديدة تلبي متطلبات المرحلة المقبلة في ظل تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية متسارعة في الوطن ومحيطه العربي، علينا أن نتعامل معها بمواقف واضحة وادوات جدبدة ونهج متطور، وأن نقدم المصلحة الوطنية العليا على كل ما سواها من مصالح جهوية او فئوية.
لقد تمت إعادة تشكيل إدارة الهيئة المستقلة للانتخاب وتكليفها بالإشراف على تسجيل الاحزاب وسبل دعمها وتعزيز دورها الوطني. كما أن المعلومات التي تتردد عن تعديل وزاري قريب لم تتضح بعد وكذلك هو وضع الحكومة بين البقاء أو الاستقالة أو إعادة التشكيل.
ونسأل الله تعالى الشفاء التام العاجل لجلالة الملك حفظه الله ليعود سالماً معافى بعون الله إلى قيادة المسيرة الوطنية نحو أهدافها النبيلة.