مسار من جنين الصفا إلى أقدم سدود المملكة
عبدالرحيم العرجان
11-04-2022 09:48 AM
مسار آخر أيام الشتاء الماطر، وبداية الربيع في الأيام المستقرضات -كما تقول الرواية الشعبية- ومواقيت الزراعة.
بدأ مسارنا من بلدة جنين الصفا (316م فوق سطح البحر) من نواحي إربد بدرب غربي الاتجاه، والذي يطل على مرج بن عامر، وما يفصلنا عنه إلا نهر مقدس جمع التاريخ بين المكانين، زرعت حقوله الشفا غورية بطيبات الأرض من فول وبازيلاء وبطاطا وعدس ومروج، قد تناغمت ألوانها بما نبت وحُرث حديثاً بيوم لم ينقطع خير السماء فيه وما اسعفنا بالمسير أنه شتاء بلا ريح.
وادي زقلاب
مسارنا كان على الكتف الشمالي للوادي، مروراً بخربة أرخيم المقابلة لبلدة مرحبا من الجانب الآخر وبينهم مجرى الوادي "زقلاب"، وهو وادٍ متعدد الشلالات والروافد، حيث مياهه من وادي الدوير وأبوزياد وعين التيس وما يشرف عليه من خرب تاريخية كانت مقصداً لعدة عصور، وذلك لطيب هوائها وكثرة خيراتها من خربة لعميدات وسكاين ومرقعة، ومقابله بين حدود مصبة القديم بنهر الأردن تل الاربعين، وأبو الحرث والسهول الزراعية لقرى القليعات ووقاص وعراق الرشدان وبصيلة من الأغوار الشمالية.
ولكثافة الأزهار بالوادي، فقد أصبح مقصداً كما كان لإنتاج أجود أنواع العسل وأطيبها من رحيق النباتات البرية فيه، وقد أشارت إليه سجلات الضرائب العثمانية حين كان يدفع 420 أقجة، كرسوم سنوية على محصولها الوفير منه.
محيط بحيرة السد
وما إن وصلنا لمحيط السد الواقع على ارتفاع 164 تحت سطح البحر، ودخلنا المنطقة البيئية، حتى تنوعت وتعددت النباتات البرية وازدادت كثافة من بخور مريم، وعرف الديك والأقحوان والشيح والجعده وغيرها الكثير الذي أصبح مقصداً للباحثين وعشاق الخلوة من مختلف دول العالم، كما استوطنه العديد من الحيوانات من الثعلب الأحمر والنيص والغرير والسنجاب والطيور المحلية والمهاجرة.
وبعد الاستراحة، كان مسارنا الدوران الكامل حول بحيرة السد الذي بني بأمر من جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه عام 1967م برؤية حكيمة للتنمية الزراعية، ورافد لقناة الغور الشرقية ليكون أول السدود بعصر الدولة الهاشمية الحديث، وقد ساهم بتصميمه خبراء هندسة من سلاح الجو الملكي وبأعلى مواصفات العمارة والبناء، وما زال عامل منذ 55 عام، ليغدو محيطه الأخضر متنفساً سياحياً في فصليّ الربيع والشتاء تحدياً، لنصل من هناك إلى طاحونة حسين أبو شقير التي أقامها بدايات القرن الماضي وحمل الشلال المقابلها اسمه "أبو شقير" حين كانت تحرك مياهه حجر رحاها المتساقطة من ارتفاع عشرين متر، إلا أن أحد العابثين دمرها قبل عامين ولم يبقى منها إلا قواعدها كما كانت تدفع ضرائب عثمانية لأمر أمير عجلون بملبغ 80 أقجة سنوياَ، لنستكمل مسارنا بين بيارات التين والرمان حتى نقطة النهاية عند جسم السد الركامي متممين واحد وعشرون كيلو متر بمستوى سهل الصعوبة بمسار بيئي بامتياز.