يوسف باشا القسوس .. هذا الفارس النبيل لا زال يصعد!
د.زهير أبو فارس
10-04-2022 08:58 PM
مناسبة الحديث عن الصديق الاعز الدكتور يوسف باشا القسوس هي صدور كتابه :» بين الجندية والطب - رحلة عمر .. مسيرة وطن» الذي فرغت من قراءته ، حيث تنازعتني خلالها رغبتان متناقضتان: فمن جهة شوق في متابعة سردية تاريخية ومهنية لمحطات حياة وانجازات الكاتب ، ومن جهة اخرى عدم الرغبة في انتهاء هذه الرحلة الممتعة لقصة انسان عصامي قبل التحدي ليشق بارادته الفولاذية طريقا صعبا نحو الانجاز والمجد، مجسدا تماما مسيرة الدولة الاردنية التي استطاعت بقيادتها الفذة وشعبها الابي المكافح ان تتحدى اشد المخاطر والصعاب التي واجهتها ، وتحقيق الانجازات المشهودة في كافة الميادين، بل ولتصبح انموذجا لبلد يسطر قصة نجاح مذهلة ، على الرغم من قلة الموارد والامكانات.
فتجربة الدكتور القسوس، وان بدت مرتبطة به في اطارها الخاص ، الا انها جزء من سردية مسيرة الوطن الاردني. فالتسلسل الزمني لاحداث الكتاب منذ الطفولة ، وبدايات تشكيل الشخصية ايام الصبا والشباب في الاسرة الصغيرة ، وبيئة النشاة البسيطة ، ساهمت في صناعة الإرادة القوية والقدرة على اقتحام الصعاب ومواجهة التحديات في كافة محطات حياته العلمية والمهنية .وقد ارتبطت مسيرة الدكتور القسوس ارتباطا عضويا بمسيرة وانجازات وطنه وباني نهضته جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، الذي أولى قضية الاستثمار في بناء وتمكين الانسان الاردني جل اهتمامه، وبخاصة في مجالي التعليم والصحة، ليتحول بذلك الاردن الى مركز اقليمي متميز بخبراته التعليمية والاكاديمية والطبية، التي خدمت شعبها، بل وفاض عطاؤها ليشمل الاشقاء العرب في المنطقة والعالم. وقد شكل الرواد المتميزون من ابناء الاردن العظام امثال يوسف باشا القسوس، قصة النجاح الاردنية في المجال الطبي، وكان للخدمات الطبية الملكية التي حظيت بدعم ومتابعة مباشرة من قبل الهاشميين، الدور الابرز في تحقيق «المعجزة الصحية الاردنية» التي ابهرت المنطقة والعالم بانجازاتها منذ سبعينات القرن الماضي ، والتي سبقت دولا اكثر قوة وثروة من بلادنا . فعندما قمنا بزراعات الكلى والقلب ، واجراء التداخلات المعقدة في مجالات امراض القلب ، وانشاء مراكز التميز في مجالات الطب المختلفة .. كان الباشا القسوس احد ابرز مهندسي هذه الانجازات العظيمة، بل وقائدا لها في فترات حاسمة ، حيث لا نزال نجني ثمارها حتى الساعة.
كما ان «الذكريات»حافلة بالكثير من المحطات الهامة في حياة ومسيرة صاحبها ، وبشكل خاص ما يتعلق منها بعلاقته بالملك الحسين ، رحمه الله، وعرضه للعديد من المواقف التي تعبر عن حنكة وشجاعة وانسانية القائد الفذ، ولتستمر مسيرة العطاء مع القائد المعزز جلالة الملك عبد الله الثاني اطال الله في عمره -حامل راية النهضة والتحديث ، العابر ببلدنا الى مئويته الثانية بكل ما لديه من حكمة واقتدار واصرار على انجاح المشروع الوطني الاردني في الاصلاح والتجديد واعطاء الامل للاجيال القادمة في غد مشرق - عنوانه المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار الذي يهم واقعهم ومستقبلهم.
ان إرادة التحدي التي ميزت مسيرة الدكتور القسوس كانت ولا تزال سر هذا العطاء الموصول على مدى العقود السبع الماضية في خدمة شعبه ووطنه. نعم ، لقد تحول هذا الكركي الرائع الى ايقونة طبية واجتماعية وانسانية قل نظيرها، واحتل مكانة خاصة في قلوب اهله وشعبه،لما بذله من جهود في بناء قدرات بلدنا الطبية ، ولما يتمتع به من صفات وسجايا جعلت منه الاقرب الى الناس ، وبخاصة البسطاء منهم. فروحه المرحة الطيبة، وعفويته، وبساطته وصدقه، وطلته المرحة الساحرة تجذبك اليه في الحال ،وضحكته المميزة الصادرة من قلبه الصافي االنقي، الذي ينبض بالحب دائما ، ولسانه الدافئ العذب ، ولطف تعامله وتواضعه الجم، وحديثه الشيق ، وانسانيته الدافقة،وكذا ذكاؤه الحاد وسرعة بديهته .. كل ذلك وغيره الكثير جعلت منه قامة اجتماعية وفكرية،بل وإنسانية فريدة..انه بحق الفارس النبيل والانسان الحقيقي ! . يقول الدكتور القسوس في مقدمة كتابه مستذكرا الحكمة : « لا يبقى على وجه هذه البسيطة اي معنى او قيمة للإنسان، إلا بهدف يتحقق ، او عطاء يتدفق، او خدمة تنفع الناس..». ويستطيع كاتب هذه السطور ان يزعم ان الدكتور القسوس قد حقق جل هذيه المعاني والأهداف النبيلة ، لذا سيبقى ما انجزه خالدا لن تنساه الأجيال. لقد اقسم ان يكون مخلصا لوطنه وناسه وقيادته ، وكان الجندي الذي لا يزال يعطي دونما كلل او ملل.. انه قصة نجاح متكاملة، وتجربته تمثل كنزا للأجيال الشابة التواقة الى المعرفة، وسيبقى القدوة في العطاء والإنجاز مهما كانت التحديات .
واخيرا ، أكرر ما قاله عنه الكاتب المبدع عبد الهادي راجي المجالي:» كنت ولا زلت وستبقى الاردني الكركي الذي صعد الجبل حاملا على كتفه الوطن والحلم والحب والحياة، وما زال مصرا على الصعود «. نعم، ان المتابع لحياة ومسيرة الدكتور يوسف باشا القسوس-صاحب هذا الاصدار:» بين الجندية والطب - رحلة عمر..مسيرة وطن» ، لا بد ان يخرج بنتيجة واحدة مفادها ان ألرجل لا زال يصعد حاملا هم الوطن! .اما الكتاب فهو سيرة حياة ورواية لتاريخ الاردن الحديث في عهد المملكتين الثالثة والرابعة، ويمثل اضافة نوعية للمكتبة العربية، ويستحق الاهتمام من قبل الباحثين والأجيال الشابة.
(الدستور)