قبل خمس سنوات كنت عائدا من الجنوب قبيل الظهر اقود سيارتي لوحدي و استمع للهجينة التراثية" يا صيته هذه منازلنا... والعام يوم المطر جانا". فصادفني قطيع من الابل تتقصع فيه الاناث "النوق" وهي تقطع الشارع بكثير من الزهو والكبرباء.
لقد استهواني المشهد فركنت سيارتي الى اقصى يمين الشارع واغلقت نوافذها وترجلت متعقبا الراعي الذي بدى منهمكا في معالجة مسألة جانبية عانى منها احد افراد القطبع.
القيت على الراعي التحية وشكرت الله على النعم وصليت على النبي واخبرته كم اعجبني القطيع وانتظامه وهو يعبر الشارع ليستكمل رحلة الرعي على جنبات الطريق المحفوفة باشواك المرار وشجيرات القطف والرتم والمرار.
سألني عن مقصدي ومنبتي ومبعث فضولي فاجبته بما راق له وشجعه على الحديث معي بعدما غبطته على المهنة التي تتطلب الكثبر من الحكمة والفطنة والشجاعة والصبر. وبعدما اقننع بان اهتمامي صادق وجاد واصيل فقد كنت ارعى الاغنام غير بعيد عن مراعي ابله يوم كانت البلاد اقل ازدحاما والناس اكثر ثقة بالغرباء.
في حديث طويل دام لساعتين ويزيد حدثني صديقي راعي الابل عن خفايا واسرار الارض التي تبدو شاحبة للعابرين فصديقي راعي الابل ابن تلك الارض ولم ياتي لها طمعا في ربح او موقع رسمي يتربح منه فهو ليس مستثمرا اجنبيا يعمل بحماية شريك ظاهر او خفي.
لم يقترض صاحبي من بنوك التنمية ولا صناديق الاستثمار َ ولا يعرف الكثير عن معادلات وشروط الحصول على نصبب من هبات الدول المانحة ولا معونات الخليج.
صاحبي لا يعرف الكثير عن الموازنة ولم يسمع خطابها الذي يلقيه وزراء المالية كل عام ولا تعنيه معادلة اسعار النفط ولا اقتصاد العمولات فجهده منصب على اداوة قطيع الابل الذي يعادل بقيمته منشأة براسمال 300 الف دينار.
في كل عام ينتج القطيع ما يقارب ال 120الف دينار سنويا يشكل كل دينار منها قيمة انتاجية حقيفية بلا اعفاءات او تسهيلات ائتمانية او اقتراض فهو لا يتلقى دعما للاعلاف ولا بدل ادوية ومطاعيم ولا يستفيد من منح َصناديق المخاطر الزراعية وبمتاز عن كل المستثمرين واعوانهم بانه يتقن العربية وينظم الشعر ويعرف ديرته شبرا شبرا...
سألته ان كان قد سمع بجواد العناني او ايا من خبراء الاقتصاد والاستثمار القدماء والمحدثين فاجاب ب لا. كما انه لم يسمع باي من الصناديق وام يشاهد ايا من مؤتمراتنا الصحفية ولديه مقترحات يمكن الافادة منها... لقد صحح لي وبالارقام الكثير من البيانات التي حاولت ان اقنعه بها معززة بالاسماء فهو يعرف ديار الحويطات اكثر من الاحصاءات العامة وسجلات الاحوال والزراعة والمحافظة.
الحوار او حديث الولادة من الابل يكون شكله كالطفل الغاضب لكنه يفرد اساريره يوم بعد يوم ليسير كما الكبار بشيء من الترفع والاعتزاز...لحم الحوار اصبح طبقا مميزا على موائد الاثرياء والرابحين يقبل على شراء الحيران الفائزون في الانتخابات والراغبون في اظهار بهجتهم بما يحدث لهم من نجاحات. يباع الحوار الحولي ب 900 الى الف دينار و يقبل الاردنيون على حليب النوق طلبا للاستشفاء....تحية لكل الرعاة الذين يعتنون بقطعانهم ويوفرون لها كل اسباب الراحة والحماية والخلاص.