الأوليغارشية الروسية بين النفوذ والعقوبات
هاشم الحديد
10-04-2022 11:39 AM
تصدرت عناوين وسائل الإعلام العالمية مؤخراً مصطلح "الأوليغارشية الروسية" أو "الأوليغارك"، هذا المصطلح الذي عاد الى الواجهة من جديد بعد بدء الأزمة الروسية- الأوكرانية، وفرض عقوبات اقتصادية على شخصيات روسية بارزة ليتسنى للجهات المختصة الغربية مصادرة وتجميد أموالهم وممتلكاتهم في الخارج، فمن هي هذه الطبقة؟ وما المغزى من فرض العقوبات الغربية عليهم؟ وما علاقتهم بالسلطة؟ وما الذي يديرونه؟
الأوليغارشية أو الأوليغارك، مصطلح مشتق من اليونانية، وهي سلطة الأقلية، بحيث يكون النفوذ محصوراً بفئة صغيرة تستند إلى العصبوية العائلية أو الطبقية أو السياسية أو حتى العسكرية. إنها مجموعة قليلة من الناس تحكم دولة أو منظمة أو حزباً أو حتى شركة. أما بالنسبة للأوليغارشية الروسية، فهو لقب أطلق على مجموعة من الأشخاص الذين برزوا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فعقب استقالة ميخائيل غورباتشوف من رئاسة الاتحاد السوفيتي، توجهت الدولة للنظام الرأسمالي نتيجة عدم وجود ما يسمى بالملكية الخاصة إبان الحكم الشيوعي، فظهر مفهوم خصخصة ممتلكات الدولة، ليتمكن هؤلاء الأشخاص من عقد صفقات غير رسمية مع مسؤولين سابقين في الاتحاد السوفيتي اعتبروها شرعية و وسيلة حصلوا من خلالها على ممتلكات الدولة.
ظهرت منذ ذلك الحين طبقة فاحشة الثراء في روسيا، تمكنت من امتلاك حقول النفط والمصانع والشركات الكبرى واستفادوا من إدخال التكنولوجيا وأجهزة الكمبيوتر إلى روسيا، لكن الكثير وصفهم بأنهم ليسوا برجال أعمال، ولم يقوموا بتأسيس شركات، بل هم طبقة أثرياء تمكنوا بحكم نفوذهم وعلاقاتهم مع المسؤولين الحكوميين السوفيتيين من وضع أيديهم على ممتلكات تخص الدولة آنذاك حيث تمكنوا من إيجاد طرق للتهرب الضريبي.
انطلقت هذه الطبقة وبسطت نفوذها بشكل موسع داخل أروقة السلطة من خلال الدعم المالي للسياسيين الذين يتوافقون مع خياراتهم وسياساتهم، وحققوا أموالاً طائلة بحكم العلاقات العائلية، وعندما تسلم الرئيس بوتين السلطة، تمكن من كبح نفوذهم، وقد انصاعوا لسياسته في التغيير.
تحدثت تقارير كثيرة على أن الرئيس بوتين استغرق وقتا طويلاً في حل العديد من النزاعات بين الأوليغارش المتنافسين على السلطة بداية عهده، وتوصل معهم لتسويات سمحت لهم بالحفاظ على سلطاتهم، مقابل دعمهم لسياسة التغيير، وعندما سئل عن الأوليغارشية عام 2019، قال بوتين لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية: "ليس لدينا أوليغارشية بعد الآن".
يمكن أن نرى واقعية هذا الكلام، والذي أصبح واضحاً للعيان من خلال الأزمة الروسية - الأوكرانية، هنا يمكنني القول إن معظم أصحاب المليارات في روسيا ليس لديهم نفوذ كبير اليوم، أو لا يتمتعون بأي نفوذ على الإطلاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهنا لا بد من القول أنه وفي اليوم الذي أعلن فيه بوتين بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، عقد اجتماعاً استثنائيًا مع أبرز رجال الأعمال في روسيا، ووجه كلامه مباشرة لهم بأن العقوبات ستفرض على البلاد بكل الأحوال، ونحن مستعدون لها، والمطلوب اليوم هو تعاونكم مع الحكومة والسلطات لدعم الاقتصاد ووظائف الإنتاج، ومن تابع هذا الاجتماع، من المؤكد أنه لاحظ الطريقة التي تحدث فيها بوتين معهم، فهم اليوم مقبلون على مرحلة جديدة يجب القبول بها. وبتسليط الضوء على أبرز الأوليغارش حسب وصف الغرب، فإن رومان أبراموفيتش مثالا مشهورا و معروفا للأوليغارشيين الروس في المملكة المتحدة، فهو الذي تصدر عناوين الصحف باستثماراته وشراءه نادي تشيلسي الإنجليزي عام 2003، أيضاً سيرجي بوريسوفيتش إيفانوف، الرئيس التنفيذي لشركة تعدين الألماس الروسية "ألروزا" وعضو مجلس إدارة "غاز بروم بنك"، ثالث أكبر مؤسسة مالية في روسيا، إضافةً إلى إيفان سيتشين رئيس مجلس إدارة "روسنفت" والتي تعد من أكبر شركات النفط المتداولة علناً في العالم، وأندريه بوتشكوف المدير التنفيذي لثاني أكبر مؤسسة مصرفية روسية “VTB Bank” والقائمة تطول بالأشخاص الذين فرضت عليهم العقوبات الغربية والأمريكية.
بتقديري إن العقوبات التي فرضت على هؤلاء الشخصيات، ما هي إلا رسائل من واشنطن والغرب للشعب الروسي، يمكن تلخيصها بنقطتين أساسيتين، أولها أن الأوليغارشية والسلطة الحاكمة في روسيا هي العدو الحقيقي لها، وليس الشعب الروسي، وثانيها مراهنتهم على أن فرض عقوبات على هؤلاء الشخصيات يمكن أن تحدث شرخاً داخل أروقة السلطة وتؤثر على قرارات الكرملين من حيث مؤيد ومعارض بما يمكنه أن يفشل ما تخطط له موسكو منذ البداية، و وقف إمكانية نجاحها في عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
ختاما، يعد تحفظ العديد من رجال الأعمال الذين فرضت عليهم عقوبات شخصية، وتجميد ممتلكاتهم، عن الحديث عما وصلت إليه الأمور أو إبداء أي تصريح حول ما حدث معهم، وتجميد ممتلكاتهم حتى يومنا هذا، ما هو إلا دليل واضح على أن هذه الطبقة داعمة للكرملين و توجهات الرئيس بوتين في قراراته.
باحث بجامعة الصداقة- موسكو