المعروف أن المريض مثلي ليس من السهل عليه أن يكسب وقتا معقولا في النوم, ولهذا فإن المريض يسعد إن استطاع اختطاف بعض الوقت من نهار أول ليل في النوم.
فبينما كنت أغط في نوم عميق بعد ظهر أمس, نوم أحتاجه بشدة كي أريح الجسد المنهك بالمرض والسهر, فإذا برنين الهاتف الأرضي يتصاعد ليوقظني, يذكرني بطابور الإزعاج الذي يقوم به السجان الإسرائيلي ليمنع النوم من أن يصل الأسير الفلسطيني, كواحدة من وسائل التعذيب.
تتناول زوجتي سماعة الهاتف لترد وهي تعتقد أنني لا زلت نائما, فسمعتني أسألها من المتحدث, فقالت لي إنها فتاة تقول انها من " مجموعة .... التجارية " وتريد الحديث معك.
تناولت السماعة وأنا منزعج من إيقاظي من نوم كنت بحاجة إليه فعلا, باعتباري أسهر معظم الليل لعدم استطاعتي الاستمتاع بالنوم كالأصحاء, أدام الله عليكم الصحة والعافية.
المهم, تناولت السماعة, وقلت : نعم..
الفتاة عبر الهاتف : مرحبا أستاذ عبد الجبار أبو غربية, أنقل إليك تحيات مجموعة " كذا التجارية "و"مجموعة كذا التجارية ", ويهنؤونك بحلول شهر رمضان المبارك, ويبلغونك بأن السيد " فلان " ( أحد أصحاب المجموعة ) ينوي الترشح للانتخابات عن الدائرة الثالثة ....
قاطعتها ولم أجعلها تكمل , وقلت لها هازئا : يبدو أن " فلان " يريد فعلا النجاح في الانتخابات.
فتساءلت : لماذا ؟
قلت : لأنه يجعل سكرتيرته تتصل بالناس, وهو يجلس في برج عاجي.
وأغلقت سماعة الهاتف, وحاولت أن أعود إلى النوم, ولكن هيهات أن أتمكن من ذلك.
فنهضت من سريري لأكتب هذا المقال, متسائلا عن أولئك الذين يستخدمون الموظفين العاملين لديهم بالاتصال مع الناخبين معتقدين أن هذه وسيلة دعائية ناجعة, مع العلم بأنها أنجع وسيلة لخسارة المرشح... ولعدة أسباب, أهمها أن متلقي الاتصال سيعتقد وهو على حق أن المرشح العتيد لم يتنازل بالتواصل مع الناخبين ويترفع عنهم, وهو لا زال بحاجة إلى أصواتهم , الآن , وفي هذه المرحلة.
فماذا سيفعل هذا المرشح لو صدف لا قدر الله ونجح في الانتخابات وأصبح ( والعياذ بالله ) نائبا في البرلمان إذا ما أراد ناخبا أن يلتقيه لينقل إليه حاجة منطقته ودائرته الانتخابية؟
بالتأكيد لن يستطيع الوصول إليه, وكيف يصل إليه وهو الذي كان يطلب صوته من خلال موظفة أو موظف عامل لديه.
والطريف في الموضع أنه لا علاقة سابقة لي بهذه المجموعة التي تهديني تحياتها بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك, وبالتالي لا تملك أن تطلب مني عبر الهاتف مثل هذا الطلب.
وبصراحة أدعو الله أن يسقط هذا المرشح بشدة ( لأنه سيسقط حتما طالما أنه يتبع هذا الأسلوب في دعايته الانتخابية ) ولكن أريد أن يكون سقوطه مدويا لأنه حرمني فعلا من نوم كنت بأمس الحاجة إليه.