حراك عربي تجاه (موسكو، وكييف) .. لماذا؟
د.حسام العتوم
07-04-2022 10:07 AM
وأخيرا تحركت الدبلوماسية العربية الى العاصمتين الروسية ( موسكو ) ، و الى الاوكرانية ( كييف عبر وارسو) للقاء وزير خارجية روسيا الاتحادية "سيرجي لافروف" ، و للقاء وزير خارجية أوكرانيا " دميتري كوليبا " في بولونيا ، ومثل الوفد الدبلوماسي العربي وزير خارجية الأردن ايمن الصفدي ، الى جانب وزراء خارجية مصر (سامح شكري ) ، و الجزائر ( ناصر بوريطة ) ، و السودان ( علي الصادق ) ، و العراق ( فؤاد حسين ) ، و الأمين العام لجامعة الدول العربية ( أحمد ابو الغيط ) تنفيذا لقرار مجلس الجامعة العربية في دورته 157 المنعقدة في القاهرة في 9 أذار الماضي 2022 ، فكان اللقاء الدبلوماسي العربي - الروسي الذي جرى في موسكو بتاريخ 4 نيسان الجاري ، ولقد تصدر الوزير الصفدي نائب رئيس الوزراء الحديث في موسكو و في وارسو بتاريخ 5 منه بضرورة التوصل لحل سلمي للأزمة الروسية – الأوكرانية ، ووقف اطلاق النار على اساس القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و مباديء حسن الجوار و احترام سيادة الدول و سلامتها الإقليمية ، و دعم المفاوضات الروسية – الأوكرانية ، و جاهزية الأردن لتقديم العون الأنساني لأوكرانيا عبر منح مواطنيها دخول من دون تأشيرة ، و في موسكو ووارسو بحث الوزير الصفدي أيضا العلاقلات الثنائية الاردنية الروسية و الأوكرانية ، و ملف قضايا المنطقة و في مقدمتها الفلسطينية و السورية . وما رشح عنه عبر الدبلوماسية المصرية بأنه جاء لترتيب وساطة عربية بين روسيا الأتحادية و أوكرانيا ، و الملاحظ من وسط الحراك العربي الدبلوماسي رغم أهميته بأنه جاء متأخرا ، أي بعد أكثر من شهرين على نشوب الحرب الروسية مع غرب أوكرانيا تحديدا ، وهي التي بدأت بتاريخ 24 شباط المنصرم من هذا العام على شكل حملة سلام ، و عملية عسكرية خاصة نظيفة لا تستهدف الشعب الأوكراني الشقيق لشعوب روسيا الاتحادية في الجوار ، و بعكس ما يروج له الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في المحافل الدولية ، و في مجلس الأمن في الأمم المتحدة أيضا بتاريخ 6 نيسان الحالي عبر إتهام موسكو بإنتهاك حقوق الأنسان في حربها على أوكرانيا ، و هو الذي نفته موسكو على لسان رئيسها بوتين ووزير خارجيتها لافروف، و يمضي زيلينسكي بجمع السلاح لحرب بلاده و يجد في ( واشنطن و في العواصم الأوروبية ) تعاطفا شديدا مع قضية بلاده أوكرانيا التي دفع بها زيلينسكي بنفسه نحو الهاوية ، و أكثر من 6 مليارات دولار وصلت ( كييف ) على شكل سلاح و مساعدات مالية ، و الهدف ادامة الحرب و الاضرار بسمعة روسيا و استنزافها . وبعد استمرار الحرب غربا و شرقا في أوكرانيا ، ومع تصاعد الاتهامات المتبادلة بينهما أصبح من الصعب إجراء لقاء رئاسي مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين و فلاديمير زيلينسكي ، ومن الممكن لاحقا أن يتطور الى لقاء افتراضي ( أون - لاين )، وهو الاقرب الى الصحة و الواقع .
فما الذي يتطلع اليه العرب من اقترابهم من الأزمة الدموية الروسية – الأوكرانية التي تجري رحاها في شرق أوكرانيا ؟ خاصة في منطقة ( ماريوبل ) التي سيطرت عليها القوات الخاصة الشيشانية أيضا المطاردة مع عموم الجيش الروسي فصائل " أزوف " و " بنديرا " المتطرفة و العنصرية التي بدأت ترفع الرايات البيض و الأيدي الخالية من السلاح الى الأعلى ، و حادثة مصنع الحديد هناك شاهدة عيان ، والمفاوضات الروسية - الأوكرانية في (اسطنبول ) دفعت بإتجاه خفض تصعيد الحرب تجاه العاصمة " كييف " التي لا يستهدفها الجيش الروسي اصلا , وهو الذي لم يأت لأوكرانيا محتلا بقدر ما قدم للدفاع عن سيادة روسيا و أمنها الأستراتيجي بعد اكتشاف استخبارات موسكو و على لسان مديرها سيرجي ناريشكين برصد مخطط أوكراني – غربي ، و غرب أمريكي لإنتاج قنبلة نووية سرا ، و للأنضمام لحلف (الناتو) العسكري بالتدريج ، وللإنقضاض على إقليم شبه جزيرة القرم الروسية ، و على إقليمي ( الدونباس و لوغانسك ) بقوة السلاح بدلا من التفاوض المبكر مع شرق أوكرانيا و مع روسيا مبكرا على ابواب انقلابها عام 2014 و عبر ميادين " كييف "، وهي الفرصة الذهبية التي فقدتها النخبة السياسية الأوكرانية المتطرفة و التي حسبت نفسها على التيار البنديري و على فصائل " أزوف " شديدة التطرف و العنصرية ، فماذا يريد العرب حقا من حرب موسكو و كييف ؟
مالا يخطر على بال المحللين السياسيين في ايامنا هذه للحرب الروسية - الأوكرانية هذه ، هي ردة الفعل الروسية على العقوبات الغربية المفتعلة بقيادة أمريكا عليها من زاوية تعميق الحرب الباردة التاريخية و سباق التسلح و ليس بسبب الحرب الدائرة و انتهاك حقوق الأنسان في أوكرانيا حسب اعتقادهم ، والذي هو محض هراء ، وكلنا نعرف تاريخ أمريكا في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بعد قصفها لها في حادثتي ( هيروشيما و ناكازاكي ) و التسبب في مقتل تشويه خلقي لأكثر من 250 الف ياباني ، و الحالة تكررت في يوغسلافيا ، و في أفغانستان ، و في العراق ، و في سوريا ، و في ليبيا ، و في اليمن ، وفي غير مكان . حيث جاء الرد الروسي مزلزلا و ضاربا ( للدولار و اليورو) معا ، و متسببا عبر عرض شراء المصادر الطبيعية الروسية على الدول غير الصديقة بالعملة الروسية ( الروبل ) ، و هو الأمر الذي شجع الصين و الهند على الأعتماد على عملتهما الوطنية أيضا ، وهو الأمر الذي بدأ يعطي اشارة انذار للعرب بأن عملاتهم الوطنية باتت بخطر ، وهي المربوطة بالدولار بشكل أساسي ، و بأن الحصار الأمريكي على روسيا الذي ظهر يلحق الضرر بأوروبا أولا قبل روسيا عبر انقطاع مادة الغاز الروسية التي اعتمدو عليها بنسبة مئوية تصل الى 40% بعد خسرانهم مشروع الغاز – ستريم 2 بأمر من واشنطن ، يمتد ليشمل صادرات وواردات العرب مع روسيا الأتحادية ، و فقط فلقد بلغت صادرات كل من روسيا و أوكرانيا لمادة القمح للعرب 9، 206 مليون طن سنويا ( اس اند بي ) .و بلغ حجم التبادل التجاري العربي مع روسيا لوحدها 18 مليار دولار ( وزارة التجارة الروسية 27 1 2022 ) . و 12% من صادرات أوكرانيا موجهة للعرب، و تبادل تجاري مع 18 دولة عربية بقيمة 6،3 مليار دولار عام 2020 ، و بلغت الواردات من أوكرانيا 92% ، بينما سجلت الصادرات العربية 450 مليون دولار فقط ( د. عبد الله الردادي – السعودية ) .
ان أكثر ما يقلق العرب في داخلهم ، و يبعدهم عن تسجيل مواقف دولية هامة مبكرا مثل الوقوف بجانب ايجاد مخرج امن للأزمة الروسية – الأوكرانية التي تحولت الى عملية عسكرية طويلة المدى و على شكل حرب لا يراد لها أن تنتهي من طرف أمريكا بالذات و ليس من طرف روسيا كما يعتقد ، هو انشغالهم بقضيتهم الأولى " الفلسطينية " ، و التي هي قضية كل المسلمين و المسيحيين ، أصبحت تؤرق العالم . و الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني " حفظه الله " في صدارة الدول العربية مطالبة و في كل المحافل الدولية بحل الدولتين العادل ، القادر على بناء دولة فلسطين كاملة السيادة و عاصمتها القدس الشرقية ، بعد تجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية ، و اعادة ( اسرائيل) الى حدود الرابع من حزيران لعام 67 ، وفقا للشرعية الدولية ، و التمسك بحق العودة أولا ثم التعويض . و القضية الثانية العربية هي " السورية " الواجب أن تجد حلا ناجعا يحافظ على سيادة الدولة السورية على ترابها العربي الواحد ، و تعيد لها جولانها ، و تعيد سوريا الى صفها العربي و جامعتها العربية . وفي اليمن لنا نحن العرب قضية عالقة ، و في ليبيا ، وفي جزر الأمارات .
و الأهم هنا هو أن تكون رسالة روسيا الأتحادية على العقوبات الغربية – الأمريكية شاملة لتنسحب على اعادة بناء الداخل الروسي من خلال الأهتمام أكثر ببنيته التحتية المتعلقة مباشرة بمدن الدرجة الثالثة ، و بمستوى دخل المواطن الروسي و تقاعداته في العمل الحكومي ، و بأسعار المحروقات ، و المواد التموينية ، و الخدمات العامة الحياتية ، و تشجيع الأنتاج الوطني على مستوى الملابس و الأتصالات ، و اسعار المواصلات ، و تحسين شبكات الأنترنت ، و الأنفتاح جوا على العالم عبر شركات طيران الأيروفلوت و غيرها الأجنبية القادرة على الخدمة .
شكرا للخطوة العربية الدبلوماسية المتوازنة الهادفة لفهم الأزمة الروسية – الأوكرانية الدموية ، ومن أجل الوصول لحلول وسطية عادلة تنهي حالة التشنج بين البلدين الجارين روسيا و أوكرانيا، و تحافظ على سيادة كل منهما ، و لتحقق الإستقرار في العالم ، و لتنتهي الحرب الباردة الى الأبد ، و كذلك ما له علاقة بسباق التسلح باهض الثمن الممكن تحويل أمواله لتنمية شاملة خادمة للبشرية جمعاء .