علاقة الاعلام بالحكومات المتتالية على مدى عشرين عاما ، علاقة غريبة ، وهي علاقة مضطربة وغير ثابتة ، وتتعرض الى تقلبات كثيرة.
مرات يريدون الاعلام حراً ناقداً ، ومرات يريدونه طيعاً مطواعاً ، ومرات يعاملونه على اساس الترغيب والترهيب ، وهكذا مرت آخر عشرين سنة ، والاعلام يتعرض الى تقلبات صعبة وقاسية ، جراء عدم تعريف العلاقة بينه وبين الحكومات.
اذا كان الاعلام يخطئ احيانا في ادارة علاقته مع الحكومات ، فان الحكومات ذاتها ترتكب الاخطاء الاشد مرارة ، وقد شهدنا تغيرات كثيرة على قانون المطبوعات والنشر ، وعلى قوانين اخرى ، بحيث يتقافز الصحفي بين عقوبتي السجن او الغرامة المالية.
ترسيم العلاقات بين الاعلام والحكومة ، ترسيم تلجأ اليه الحكومات ، وهو ترسيم غالبا ما ينهار من جانب الحكومات ، التي تريد اعلاماً يمارس دوره ، وحين تتضايق منه ، تريده اعلاماً تابعاً وبوقاً ساخناً.
الاعلام لا دور وظيفياً له كما يقول البعض ، فهو ليس غرفة في الحديقة الخلفية لوزارة الاعلام الموءودة ، ومهمه الاعلام هي التأثير وكشف الحقائق واعلام الجمهور والمؤسسة عما يجري ، لا ممارسة السحر وقلب الاسود الى ابيض.
لا دور وظيفيا للاعلام بمعنى التصفيق والتلميع والتبرير ، واي ادوار من هذا القبيل مكشوفة شعبياً ، ولا قيمة لها ، لان لدينا جمهوراً واعياً يقرأ ما خلف السطور والحروف والارقام ، وقد قيل للحكومات مرارا ان علاقتها مع الاعلام يجب ان تبنى فقط على المكاشفة ومنح المعلومات ، وغير ذلك يكون اعلاماً على طريقة "كتفاً سلاح" في الدول الشمولية ، بلا معنى ولا مستقبل ايضا.
"كتفاً سلاح" تعني ايضا الانضباط والتشابه والتراتبية ، وهذا يعني ان المطلوب ان تكون الصحف اليومية والاسبوعية ومواقع الانترنت والاذاعات ، نسخة واحدة من الالتزام بنفس الرسالة الاعلامية ، وهو اعلام مرفوض بهذه الطريقة.
اساسا يتم اتهام الاعلام شعبياً بأنه يخفف الصورة السلبية ، وانه يزين القبائح ، وفي حالات يحجب الاعتراضات والاحتجاجات ، والمفارقة انه برغم هذا الرأي الشعبي الذي يلخصه المواطن بتعبير "حكي جرايد" الا ان الحكومات ايضا غير راضية عن اداء الاعلام ، وساخطة عليه في حالات كثيرة.
هذا يعني ان الاعلام مثل "معيد القريتين" فلا هو هنا ، ولا هو هناك ، لانه احتار في موقعه ، وسمح لغيره ان يحدد موقعه في حالات.
حل هذه العقدة يكون بترسيم حاد وواضح لدور كل سلطة ، وعدم التداخل بين الادوار ، وانهاء سياسات الترهيب والترغيب ، وان يشتغل كل واحد شغله ، ولا يركب على ظهر الاخر ، وعندها يكون اعلامنا حراً وطبيعيا.
الاعلام ليس فرقة موسيقية ، واذا اردتموه هكذا فلن تجدوا جمهوراً يسهر ويسمع.
mtair@addustour.com.jo
الدستور