تتمتع وأنت تنثر مشاعرك النبيلة على من حولك بسخاء، وتتشابك عواطفك الغامرة مع محيطك بلهفة، فأنت "معدنك" نادر في هذا الزمن الذي لم يعد كما تحب وتشتهي. تحاول أن تكسّر مرايا إبليس عن وجوه أخوانك الذين لم تلدهم أمك، وتفطمهم عن لبن الزيف ودهاء الروح الماكرة، و"تقية" الأخلاق الدارجه كالنار في الهشيم.
تجفف العيون الملآ من "دموع التماسيح" التي يذرفها الأشقاء من بني البشر ليل نهار، لعلك تجد فيهم شيء من معاني الصدق والإشتياق، ونبل الوفاء كالذي عندك. خلقك الرفيع وما تكتنزه من عظيم إنسانية يحثانك على ذلك، فأنت لا تقدر الا أن تكون مثل هالة الفجر، صافي صفاء الغمام في كبد السماء، وبكر قطرات الندى أول الصبح.
أنت لا تحسن تجميل القبيح أو تقبيح الحسن، فهذا ليس رداؤك أو معشرك، تضغط على جرح روحك الندي، ليبرأ جرح من صنعوه لك، وهل يوقى الفتى ما صنعه الله له، تفضحك مشاعرك الأمارة بالود، وقد تدهشك لانك صرفتها في غير محلها. فكم من مشاعر تاهت في طريقها الى قلوب الآخرين، اذ لم يصونوها، او يحفظوا عهدها بالوفاء، هل هي سنة الله في خلقه أم تغيرت الأقدار.
لا تقلّب حسبة الدفاتر، أو تنبش في مواجع الحاضر، ابقى كما أنت بما تحمل من صفات انسانية جميلة تجعلك في مرتبة سامية من الرقي الانساني المتحضر. صدق المشاعر، ونبل العواطف، وسمو الوفاء، هي أشياء لا تشترى ولا تباع، انما هي حاجة فينا بمنزلة الدم في العروق، تؤلف القلوب وتعظم القربى وتبني جسورا راسخات من الإخلاص والعواطف الجياشة، التي لا تنغص عيش أو تكدر خاطر.
ينبغي ان تكون قيمنا الانسانية الرفيعة ومشاعرنا المتبادلة النبيلة في مرتبة القداسة العظيمة التي لا يشوبها غش ولا خديعة، أو مرارة خذلان، ولا تعكر صفو أو تنزع مزاج، وان تبقى صادقة صدق السريرة في النفوس، فهي القواسم الروحية المتبقية التي تبعث فينا الأمل والحياة والرجاء، وتحيي بدواخلنا معاني الاشتياق والرفعة. فكم من نفس سمت وتعالت بهذا الإرث الوجودي العابر للقلوب، وبه انبعثت أحلام البشر من لا شيء، وتجددت فيه صور الأماني وأسمى المعاني التي نتطلع اليها في هذه الحياة بما تتلاقى معها جوامع الصفاء والنقاء العابرة للبشرية جمعاء.
بالمقابل، أصحاب الأدوار المصطنعة والوجوه الملونة، يتشبهون دائما في كل شيء، يتقنون المداهنة، والتزلف، والتودد المزيف، لعلهم يبلغون في قلوب الآخرين شيئا من المكانة والحظ الوفير، غير أنهم مهما حاولوا أن يبعثوا الحياة في مشاعرهم تلك فسرعان ما تضمحل وتتبدد، فالطبع غالبا على التطبع. يريدون ان تهبط الى حضيض أفكارهم وأسلوبهم، لكن احذر ان تتمثل ما تجيش به صدورهم وابقى على سجيتك وطبعك، الذي الفه فيك الناس.
كانا زوجين مثاليين – هكذا يظهر – لا يفرق بينهم الا الموت كما يردد عشاق اليوم، وتفديه بروحها وهو يفعل ان طلبت ذلك، يذهبان الى ممشى الحديقة كل يوم وهما في أقصى حالات الهيام، يغردان مثل عصفورين بكلمات العشق والهوى الموسوم في أرواحهما المترعة بالولع. يسمعها أعذب قصائد نزار قباني في الحب، ويقول لها: انتي ملاكي الوجودي وامرأة واحدة في قبيلة من النساء .. الخ. وتقول له: يالا حظ معك، كم أنا سعيدة.
يفترقان، كل يلوم الآخر، ويلعنان الساعة التي تعارفا فيها، "أنتي امرأة أنانية، تغريك المظاهر والحياة المزيفة وتهملين بيتك بقدر ما تميلين الى الأصباغ والبهرجة الفارغة، يبادرها. وهي ترد: " انت رجل فارغ لم ار معك يوما سعيدا، ولا تحب الا نفسك، تبخل عليّ وعلى اولادك الذين يتشوقون دوما لقربك وعطفك".
هذه واحدة من القصص التي تستقر في الذاكرة و لا تحتاج الى تذكرة، وتكاد الحياة العامة ان تكون زاخرة بمثلها ومثيلاتها، فكثير من الشخصيات طالما كان الغش والخداع عدتها وعتادها مهما كانت الاكلاف المترتبة، وكم من أسر انهارت وانفرط عقدها وعائلات هامت على وجهها بسبب تلك المشاعر المصطنعة والوعود البراقة التي غشيت حينا وحياتنا.
عموما، هؤلاء من أهل "المشاعر الهلامية" يخفون في انفسهم ما لا يبدون لك .. لا تمدن يدك الى كل يد.