اعتدنا منذ سنوات بعيدة على الاختلاف حول مواقيت شهر رمضان المبارك في بلدنا وما حولنا من دول عربية وعالمية، وكثيرا ما كنا نسمع ونرى قبل تغول السوشال ميديا من غير ذوي الاختصاص والعلم تعليقات لا تليق بمقام المرجعية الفقهية، وقد يرجع ذلك الى عدم العلم بالنسبة للعامة أن أي فتوى أو رأي شرعي لبلد ما يجب الالتزام به، لا أن يؤخذ الرأي من قبل مواطن أردني، مثالا، بناءً على فتوى لعالِم شرعيّ في بلد بعيد عنا، لأن أهل البلد هم أدرى وأعرف بالتقاليد المرعية، ومن هناك جاءت الرخصة التي أوضحها النبي عليه الصلاة والسلام لأن يتبّع المسلم قرار البلد الذي يكون فيه، ومع ذلك كانت تعليقاتنا ساخطة بأننا نتبع دولة بعينها عقب إعلانها بدء الشهر الفضيل.
قيل يوماً إن مسؤولاً ما، أفضى بروحه الى الله قد قرر أن يؤخر إعلان دخول شهر رمضان ليوم واحد لأن عنده مناسبة عائلية، وهذا باعتقادي أنه دسّ عليه خلفه صراعات شهدناها فيما مضى من سنين، ولكن ما شهدناه من اتفاق جمع الأقارب والأباعد على ثبوت شهر رمضان هذا العام ابتداءً من يوم السبت، فهو سابقة لم تحدث من قبل، وقد يكون أن المتغير ليس الشهر الفضيل بل هو سياسي على ما يبدو، في ظل إرهاصات خلعت كثيرا من قيمّ الإسلام الأصيلة وألبستها أثوابا اخرى، فضلا عن مناكفات بين بعض العواصم.
فإذا كانت المراقب الفلكية لم تؤكد ثبوت تولد الهلال، فكيف بعين واحدة قد رأته يوم الخميس الماضي، ومع التقدم العلمي الداعم للإثبات لا نزال نختلف على يوم الصوم الأول والملاحظ أن دولاً متقاربة اجمعت مع بعضها، وأخرى قريبة لم يثبت لها ذلك، فمن بات يخدم من؟ الحكم الشرعي أم القرار السياسي؟
ليس نحن فقط، بل إن إيران أكدت أن يوم الأحد هو الأول من رمضان، وفي العراق اختلف عليه، فالمرجع الشيعي آية الله السيستاني أعلن أن يوم الأحد هو أول رمضان بالنسبة للشيعة، فيما أصدر الوقف السني في العراق أيضا بيانا أكد فيه أن يوم السبت هو أول أيام رمضان، في المقابل فإن مفتي القدس محمد حسين، المختلف عليه فلسطينيا، أعلن ثبوت هلال رمضان مساء الجمعة والصوم يوم السبت رغم ما رأيناه من تلبد الغيم الأبيض في سمائنا حتى غطى الشمس تماما في الأفق الغربي قبيل الغروب، ناهيك عن مراصد فلكية عديدة في دول الخليج والأردن أثبتت أن رؤية الهلال كانت صعبة للغاية.
هنا يبرز القرار السياسي للتابع والمتبوع، فسواد الأمة لا دخل لها بالصراعات السياسية والمنافسات بين الدول، فالمسلمون في كل مكان من الدنيا يتبعون البلاد التي يعيشون فيها، ويجب ألا يكون هناك تضارب في محل النص، ولكن بعض الدول تلوي ذراع الإرادة الشعبية كي ترضخهم لقراراتها حتى في الصوم أو الإفطار، متناسين أن هذه البلاد العربية الشرق أوسطية هي مهد الديانات المتواترة، ويجب احترام الأصول الدينية المرعية لجميع دياناتها الثلاث على الأقل، بعيدا عمن آمن أم لم يؤمن، فمن حق الإنسان العربي أن يشعر بإنسانيته وحقوقه الشرعية حسبما يرى، لا أن يواجه بشراً مثله يعدم كل خياراته في حياته الخاصة.
إن الاختلاف في المطالع لا يشكل حرجا، فهناك دول اسكندنافية يصوم فيها المسلمون أكثر من ثماني عشرة ساعة، ومع ذلك هنالك فتاوى نصت على أن يتبعوا أقرب الدول لهم والأخف ساعات صوم، بينما نحن اليوم نعيش شهر رمضان الكريم منشغلين بالأكل وتوفير الطعام وكأننا سجناء عن الطعام طيلة عام كامل، ولهذا تبرز الأهمية غير السياسية التي شرذمتنا، كي يتعاون الجميع لدعم الفقراء وصفاء النوايا لغايات القبول لا المشاجرات لأتفه الأسباب على طابور القطايف.
Royal430@hotmail.com
الرأي