facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أحلام مؤجلة


د. صباح حراحشة
02-04-2022 12:40 PM

أنْ تضعَ حُلمكَ على وضعيّة الانتظار هو أمرٌ في غايةِ القسوة؛ أنْ يتسربَ العمرُ من بين أنفاسِك هو خسارةٌ لا تعوّض؛ أنْ تفقدَ البريقَ في عينيك هو الانطفاءُ بحدّ ذاتِه؛ أمّا أنْ تفقدَ الأملَ في التغيير فهو والله أمرٌ جلل.

في عيدِ الحُب، تجولتُ في عدةِ أماكن، بحثتُ عن محبينَ يحملونَ ورودا حمراء، أو يقفونَ على قارعةِ انتظارِ المحبوب، ولكني لم أرى سوى محلاتٍ فارغةٍ من اللهفة بقيت الدباديبُ الحمرُ معلقاتٍ فيها لأجلٍ غيرِ معلوم، وبقيت الورودُ الحمراءُ تنتظرُ مصيرَها المحتوم لتنهي حياتَها ذابلةً وحيدة بدلا من أنْ تُخبئها الصبايا بين دفتيْ كتاب لتجفَّ بأمانٍ هناك بعيدا عن كل العيون.

عزوفُ الشبابِ والفتيات عن الزواج أصبح واقعا نتلمسُه جميعا، ففي كلِ بيتٍ تقريبا هناك من أدارَ ظهرَه لهذا الرباط المقدّس، وفقد كثيرون إيمانَهم حتى بالحب، واختاروا الوقوفَ على الحياد لمراقبةِ لحظاتِ شبابِهم وهي تذوي إلى غير رجعة. البطالةُ أصبحت عنوانا لهذه المرحلة، والتعليمُ في طريقِه ليصبحَ سلعةً لن يحصل عليها إلا من يمتلكُ الثمن، ومثلها الصحة أيضا؛ كل شيء أصبح له ثمنا، حتى الابتسامة.

جسرُ بونت ديزارت الذي يربطُ بين ضفتي نهرِ السين في العاصمةِ الفرنسيةِ باريس، أصبحَ معلما سياحيا يقصدهُ العشاقُ من كلِّ أنحاءِ العالم، يعلقونَ على سياجِه المعدني أقفالا يحفرون عليها أسماءَهم وعهودَهم ثم يلقونَ بمفاتيحها في مياهِ النهر، كطقسٍ يرمزُ لأبديةِ الحبِ وبقائِه. انتشرَ هذا الطقسُ في العديدِ من المدنِ التي تحتفي بالعشاقِ والمحبين، وأصبحَ تقليدا استبدله البعضُ أو ربما أضافهُ لتقليدِ حفرِ أسماءِ المحبين على لحاءِ الشجر.

في بلادِنا التي أثقلَها الألم، تمارسُ الجسورُ أدوارا أخرى، فالجسرُ الذي يمرُ فوقَ نهرِنا المقدّس، يشهدُ على قصصِ حبٍ تحملُ عذاباتٍ مختلفة؛ يشهدُ لحظاتِ لقاءٍ وفراق لا تشبه غيرَها من اللحظات، عبرتْ من فوقِه آلافُ الآهاتِ واللوعات، ولا يزالُ يمارسُ ذاتَ الدورِ منذُ عقود. أما جسرُ عبدون فهو شاهدٌ على أقسى لحظاتِ الألمِ واليأسِ والإحباط، لحظاتِ النهايةِ التي يختارُها من أُغْلِقتْ أمامَهم كلُّ الأبواب، لحظاتِ الخلاصِ التي يهربُ إليها شبابُنا المعذبون، لحظاتِ الهروبِ من هذا الواقعِ الذي يرفضُ التغيير.

ذاتَ ربيع، أخبرني والدي أنَّ الدحنونَ ينبتُ من دم الشهداء، وأنا بدوري سأخبرُ أولادي بأنَّ الشوكَ سينبتُ تحتَ جسرِ عبدون، وسأخبرُهم بأنّه نبتَ من آلامِ الشبابِ وخيباتِهم، ومن تقصيرِنا بحقهِم، ومن ظلمِ الزمنِ الذي عاشوا خلاله، ومن تبعاتِ الجشعِ والطمعِ الذي لا يعرفُ الحدود. تحت ذلك الجسر، ستبقى أرواحُ المعذبين تلعنُ كلَّ من عذّبَها وسرقَ أحلامها، ستبقى صرخاتُهم تملأُ الوادي، وستصلُ يوما إلى مسامعِنا جميعا، تلومُ ضمائرَنا التي انحازتْ للصمت في الوقتِ الذي وجبِ فيه الكلام.

غربُ النهرِ أيضا سُرِقَتْ أحلامُ الشباب، بل سُرِقَت في كل ربوعِ وطننا العربي المنكوب، المثقلِ بالخيبات. متى سينبتُ الدحنون من نبضِ العاشقين بدل أن ينبتَ من دمِ الشهداء، متى ستشهدُ جسورُنا على قصصِ الحياةِ والحب بدل أن تشهدَ على قصصِ الموت، متى سنرى البريقَ في عيونِ الشباب الذين أصبح الشيبُ يغزو رؤوسَهم في غيرِ أوانه، ومتى سيصمت في رأسي صوتُ تقصيرنا بحقِ الأبناء والذي يعلو صداهُ في كل مرةٍ أرى فيها انطفاءةَ اللهفة في عيونٍ كانت ترنو إلى حلم!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :