منذ اشهر عديدة والاعلام يتناقل اخبار الاجتماعات الرسمية التحضيرية لشهر رمضان المبارك, وامتلأت الصحف بالعناوين البراقة التي تتناول الجهود المبذولة مع القطاع الخاص لضبط الاسعار وتوفير الكميات الكافية من المواد الاساسية, وبعد كل هذا نشهد صخبا في الاسواق من كل حدب وصوب, كأن رمضان فاجأ الحكومة بقدومه وبات مثل التعديل الوزاري لا يدري احد موعده.
احد العناوين الحكومية عقب اجتماعاتها مع القطاع الخاص ان الاسعار ستكون في متناول الجميع, واخر يقول ان الكميات متوفرة, وان الحكومة من خلال الشركة الوطنية ستطرح كميات اضافية من بعض المواد لضبط اسعارها وستستورد كميات من مواد جديدة لتوفير بدائل غذائية باسعار مناسبة وجودة عالية, وعناوين اخرى تتحدث على لسان القطاع الخاص عن التزامه بتوفير كافة مستلزمات الشهر الفضيل وان هناك استعدادات مبكرة لذلك وان الاسعار ستكون متاحة وملائمة للمستهلك.
نتفاجأ اليوم ان السوق مصاب بحالة هلع كبيرة وارتفاع جنوني في الاسعار ونقص في المعروض من اللحوم مع اشتداد وطأة الطلب المحلي وتراجع في كميات الاستيراد مع صعود غير مسبوق في اسعار الخضار, وبات حديث الشارع عن ازمة " الخيار " يتصدر تصريحات الحكومة التي تؤكد انها تبذل قصارى جهدها لاحتواء ازمة جنون اسعاره واصبحت قضية الخيار حديث الشارع والمسؤولين معا.
الحكومة التي الزمت نفسها بتصريحات قبل اشهر من حلول رمضان تطمئن المواطنين فيه من انه لا ازمة في الاسعار مطالبة بالكف عن الحديث المتواصل المستفز لمشاعر المستهلكين والتركيز على علاقتها مع الشركة الوطنية في البحث عن كيفية توفير النقص في بعض المواد الغذائية خاصة اللحوم في الوقت الذي كانت تتعهد فيه بتوفيرها قبل الاوان, فالمواطنون بحاجة الى افعال على ارض الوقع لا خطابات للاستهلاك الاعلامي, وباتت كل التحضيرات السابقة حبرا على ورق لا تستند الى معطيات واقعية.
في الحقيقة ان حالة الاسواق المحلية من فلتان وسيطرة محكمة للتجار عليها هو امر منطقي وطبيعي لسياسات الحكومة المتراكمة التي تخلت بدورها عنها, في الوقت الذي كانت الاسواق بامس الحاجة الى دور حكومي منظم لسلوكياتها المتزامنة مع حالة انفتاح غوغائية على العالم بفضل سلسلة اتفاقيات تجارية هرعت الحكومات لابرامها وثبت فعليا ان الكثير منها اضر بالاقتصاد والمصالح الاردنية.
لا استغرب من ضعف الرقابة الحكومية على الاسواق, او تفاجئها بحالة التخبط الحاصلة فيها الان, فالحكومة بكل بساطة لم تعد لاعبا رئيسيا في معادلة الاستهلاك المحلية, والواقع ان التجار اليوم وبكل صراحة اقوى من الحكومات في احكام القبضة على الاسواق, ومهما فعلت الحكومة تجاههم فهي لا تقوى على الزامهم ببيع شيء لا يريدون هم اصلا بيعه او توفيره او تخفيض اسعاره, فالادوات الحقيقية للسوق بيد التجار, وكل ما بيد الجهات الرسمية هي مواصلة الحوار والتمني على القطاع الخاص بامنيات تجاه المستهلك سرعان ما تتبخر عند اول فرصة بيع.
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم