أقرأ على ضفاف النهر الذي يفصل لندن إلى ضفتين، قلق الإنجليز من الحرب الدائرة شرق القارة العجوز، غير أن خيالاتي تذهب بعيدا إلى الشرق حيث المواظبة على الوهن والإسترخاء هي علةُ الدول. يتكلمون كثيرا عن الخطط وتمتلىء الصفحات بالتصريحات، يقولون ما في وسعهم عن الترهل والمعيقات، وكل هذا الخطاب الإنشائي هو أحد أدوات الهروب من التنفيذ، وهو محاولات يائسة للتجميل والترميم.
في الأردن، لا يبدو أن إصلاح الأمر يأخذ كل هذه الخطابات. ومفاتيح الحلول معلّقة بانتظار آخذها، ولا عذر لمن سيعلق الجرس، فهو واضح المكان، ولا خوف من تناوله الان ووضعه في مكانه. ليس على المهندس والبنّائين سوى نصب الأعمدة والبدء في الإنجاز، فكل شيء في السياسة والإقتصاد بات بين أيديهم، ولا عذر للمتقاعسين.
مؤخرا، أنهت الدولة الأردنية انتخابات البلديات ومجالس المحافظات، وأطلقت أيدي الفائزين في خدمة مدنهم وقراهم، بعد أن أقطعت لهم قانونا من أبرز بنوده تخصيص ما لا يقل عن 40% من موازنة المحافظة للمشاريع التنموية، بغية توجيه أعمال مجلس المحافظة نحو الطريق التنموي.
في الإصلاح السياسي، أنهى مجلس النواب التعديلات الدستورية وقانون الأحزاب، ثم أقر مشروع قانون الإنتخاب لمجلس النواب، وقد اتضحت بعض بنوده فيما يختص بتقسيم الدوائر في المملكة، وتمكين الشباب والمراة، والتأسيس في الخطوة الهامة بتخصيص 41 مقعد للدائرة العامة التي اشترطت قوائم ترشيح على قاعدة حزبية، للطريق نحو الحكومات الحزبيه البرلمانيه.
اقتصاديا، فإن اجتماعات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية المنعقدة في الديوان الملكي الهاشمي، قد هيأت الطريق أمام الهيئات المعنية بالإصلاحات، ووضعت بين أيديها قاعدة بيانات هامة، بعد أن ناقشت ممكنات القطاعات الاقتصادية، ثم خلصت لخارطة طريق واضحة عبر توصيات وضعت خطط عمل وطنية عابرة للحكومات، تضمن إطلاق الإمكانيات لتحقيق النمو الشامل، واستحداث فرص العمل، وزيادة الإيرادات، وستصدر بشكل رسمي مغلّفة بإطار وطني لا يرتبط بحكومة معيّنة، بل ستكون على شكل خطط واستراتيجيات ثابتة للوزارات والمؤسسات.
لا عذر للتنفيذ. لا عوائق أمام وضع علاج للإختلال، ولم يعد هناك مبرر للهروب من الترهل ومن تراكم أعداد العاطلين من العمل ومن معيقات الاستثمار، وهي عناوين ثابتة في رسائل جلالة الملك. على المعنيين اليوم، أن يكونوا بحجم هذا الوطن وبحجم تحدياته وتضحياته، وعليهم أن يقبلوا بالعمل أو يتركوه لمن هم قادرين على البدء وعلى التأسيس القويم.
الحرب المستعرة شرق أوروبا تحدٍ آخر، والعالم الذي كدّس المواد غذاءً لشعبه وذهب للحرب غير آبه بصراخ الجوعى ولا بتراجع قدرة الناس على الشراء، ولا برمضان المبارك الذي يأتي والناس في عوز وفاقة وفي ارتفاعات جنونية للأسعار، ينتظرون من الحكومات خطط طوارىء وطرق لإدارة الأزمات، وخطى حقيقية في البدء بالإصلاح الشامل في السياسة والإقتصاد. أين نحن؟ وماذا علينا فعله الآن وليس غدا؟ هل ننتظر تراجعات أخرى في معيشة الناس، هل يكفي الترقيع بديلا عن الإصلاح الشامل؟ كيف يمكن للناس أن ينتخبوا ثلث المجلس النيابي القادم وثلثي الذي يليه، إذا ما أشغلهم رغيف الخبز وفرصة العمل؟
عند تلك الإجابات، سنكون بمنأى عن نزلات البرد التي تسببها العطسات في العالم، وعند ذلك سنقول بملء الفم أننا في الطريق الصحيح.