في سابقة لم نكن نظن أنها ستخرج، أقر مجلس النواب المادة المتعلقة بحصرية أبناء البادية للترشح والانتخاب ضمن دوائر البادية الثلاث، مع إضافة حق أبناء البادية الترشح والانتخاب في الدوائر المحلية والعامة، حسناً فعل النواب عقب استلاب مقاعد ثلاثة من دوائر البدو واثنين من المسيحيين، وهذه الفقرة التي تسمح لأبناء البادية الترشح على مستوى الوطن ليست فكرة جديدة، بل إن لي شرف اقتراحها بإطار مختلف زمن حكومة عون الخصاونة 2012، إذ كنت قد طرحت الفكرة خلال اجتماع في الديوان الملكي، وبعد أقل من عام اتصل بي أمين عام وزارة التنمية السياسية مالك الطوال لفهم الإجراء.
في مبنى الوزارة جلست والطوال لمناقشة قانون الانتخاب المطروح والذي أثار جدلاً واسعا، حيث كان التوجه لزيادة مقاعد بعض دوائر العاصمة لتخدم أبناء المخيمات، وسألني الطوال عن المقترح الذي طرحته كي يعرضه على دولة الخصاونة، فكتبت بقلم الرصاص بعد الفقرة التالية: «تبقى دوائر الشركس والشيشان والمسيحيين والبدو مغلقة على أبنائها، بإضافة مع حق أبناء البادية الترشح لدوائر المحافظات التي يتبعون لها»، وكانت الرؤية أن يكسر القيد المنيع على دوائر البادية الذي يصنفهم كحالة منفردة، ولكن الخلافات التي واجهها عون الخصاونة مع التيار المدني لصالح الإخوان المسلمين أدت الى سحب القانون، وبعد استقالته وترؤس المرحوم الدكتور فايز الطراونة للحكومة تمت إعادة قانون الصوت الواحد، واستفاد من المقترح منح البوادي مقعد كوتا المرأة.
تاريخيا حاول بعض أبناء البادية الذين هم أحد أعمدة البناء الوطني كسر القيد والترشح عن عمان، كان منهم المرحومان الشيخ نايف الخريشا والفريق مشهور حديثة الجازي، فيما ترشح الشيخ طايل مثقال الفايز عن الدائرة الثالثة ولم يحالفه الحظ، ورغم طلبات ترشيحهم فقد رفض القانون ترشحهم لغير دوائرهم، مع أن القوانين المتتابعة سمحت لأبناء المحافظات الترشح لدوائر محافظات أخرى، فرأينا أبناء الكرك مثلا يترشحون عن عمان وكذلك البلقاء وغيرهم من أبناء مادبا والزرقاء، بل إن نائبين على الأقل ترشحا مرة عن العاصمة عمان وفي المرة الثانية عن الزرقاء وهناك من تنقل بين دوائر العاصمة.
من ينظر الى الأردن اليوم يظن أنه شبه قارة جرّاء النقاشات والاقتراحات وضخ الخوف من هذا ومن ذاك، وكأننا مجاميع ليس لها إدراك ولا تعرف الانخراط ضمن توليفة وطنية متماسكة، ولكن في الأردن يمكننا أن نرى عضو مجلس نواب ما يخدم أبناء مناطق ليس له علاقة بهم، وفي المقابل نرى نوابا يديرون الظهر لقواعدهم بمجرد ما تحصّل على لقب نائب، ورغم أن وظيفة النائب الأساسية هي التشريع والرقابة، فإن الأغلبية من النواب يدخلون المجلس ويخرجون منه ولم يقترحوا مشروع قانون واحدا، ومنهم من ينشغل بالبحث عن وظائف لأبناء مناطقهم.
في المقابل نادرا ما نرى ثقلا سياسيا يدفع برفع حالة البلاد للأعلى مع انه حق مجلس النواب، حتى رأينا كيف تصّر كل فقرة تفصيلية عن عدد المرشحين لمقاعد المجلس بتخصيص امرأة عن كل دائرة، مع أننا ندعم وصول النساء الى مجلس النواب عبر منافسة ترتكز على قدرات عالية المستوى، كما رأينا في مجالس سابقة ولاحقة، ولهذا ينظر الجمهور الى ذلك التخصيص أنه مجاملة لا كحق للمرأة، ولو تمعنا في مجالس نواب حولنا لوجدنا لبنان مثلا لم يخرج أكثر من عضو واحد من النساء، ولكننا فعلناها بقوة، وسمحنا أخيرا للبدو بحق التاريخ والانتخاب في الدوائر المحلية والعامة.
Royal430@hotmail.com
الرأي