حتى نفهم كيف ينافس الكيان الإسرائيلي إيران ويخشاها، لننظر كيف اتحدت دول غرب أوروبا والولايات المتحدة ضد روسيا رغم أن جميع تلك الدول كانت استعمارية من الطراز المخيف للعالم الثالث تاريخيا، وروسيا ليست بعيدة عن محيطها الأوروبي، فتاريخها القيصري شاهد على استعمار دول الشرق الأوراسي، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كان زعماء العالم الأول الجديد قد اجتمعوا في القرم لتحديد مصير العالم الشرق أوسطي وأوروبا، ممثلين بستالين وروزفلت وتشيرشل، وبعد ذلك ارتضى الغرب لروسيا الشيوعية إقامة الاتحاد السوفييتي شرقا وغربا حتى المانيا الشرقية، قبل ان تبدأ الحرب الباردة.
فكما يخشى الغرب روسيا وهم ملّة واحدة، فإن إسرائيل تخشى سيطرة إيران على حدودها، فهي الدولة الوحيدة التي يمانع العالم امتلاكها للسلاح النووي، وفي المقابل تطاولت إسرائيل النووية أيضا حتى وصلت الى مرحلة متقدمة جدا من القبول بها كأمر واقع في العالم العربي، رغم أنها استعمارية احتلالية ولا تزال تنكل بشعب فلسطين العربي، ومن هناك حتى اليوم وصلنا الى غاية ما تريده تل أبيب من إنتاج محور إسرائيلي عربي لمواجهة إيران، وقبل ذلك بستين عاما استوطنت إسرائيل في كردستان لمراقبة ما يجري في إيران الشاهنشاهية رغم علاقتها مع رضا بهلوي، وعقب الثورة استحكم الموساد في اذربيجان ايضا.
اليوم سيعقد الاجتماع السداسي رسميا لوزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والإمارات والمغرب والبحرين فضلا عن وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد، رفض الأردن المشاركة بالاجتماع، في رسالة من تل أبيب للعالم العربي وإيران والعالم تعيدهم الى تاريخ نشأة الكيان الإسرائيلي عبر مقر الاجتماع في النقب حيث منزل وقبر ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي في أقصى جنوب البلاد الفلسطينية، وكأن روح بن غوريون ستعم المكان ليذكرنا بمقولته التاريخية عن الشعب الفلسطيني ومفادها «الكبار سيموتون والصغار سينسون»، ولكن هيهات هيهات.
من جهة اخرى يُنتظر وصول الملك عبدالله الثاني الى مقر الحكومة الفلسطينية في رام الله للقاء الرئيس محمود عباس، الذي انتهى قريبا من الانتخابات المحلية، والزيارة لها مدلولات كثيرة، أهمها أن الأردن لا يزال الداعم الرئيس للشعب الفلسطيني، وسندا قويا للأشقاء الفلسطينيين ويمنحهم حرية السفر وتسهيل مهامهم عبر المعابر، وتقديم الدعم المعنوي واللوجستي الخاص للقيادة الفلسطينية التي تعاني من ضغوطات إسرائيلية وأميركية لا قبل لهم بها.
هذه هي المرة الثانية التي يزور فيها الملك رام الله، والرسائل تبدو واضحة، فالموقف الأردني من قضية القدس هي أساس العلاقة مع الطرف الإسرائيلي للحفاظ على التفاهمات حوله وعدم تغيير أي من القواعد التي تم الاتفاق عليها، ورغم ذلك لا زالت السلطات الإسرائيلية تغمض العين عن الاقتحامات الصهيونية والنواب المتطرفين وقطعانهم الذين لا يتركون مناسبة إلا ويستغلونها لاستفزاز العرب في القدس ويدنسون المقدسات إسلامية ومسيحية، ونحن بالطبع ندعم بقاء الأشقاء على أرضهم رغم الاجتياحات الصهيونية، فهم لا يرون أي شريك حقيقي في العالم العربي، أكانوا في رام الله أم في غزة، يمكنهم الاعتماد عليهم كداعمين لوجه الله، بينما الأردن فك ارتباطه القانوني مع الضفة الفلسطينية ولكن لا زال الأخ الأكبر الذي يرعى شؤون الفلسطينيين بعيدا عن علاقاته مع تل أبيب والتي لا تخلو أيضا من العوائق.
ليس هناك ارتباط بين زيارة الملك عبدالله الى رام الله واجتماع النقب، فمؤتمر النقب الذي يرفضه الفلسطينيون كحق لهم، ما هو الا محاولة من الادارة الإسرائيلية لتدعيم ظهرها، بعد حالة الارتخاء الأميركي فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران، ورغم تأكيدات وزير الخارجية الأميركي بلينكن على العمل لمنع طهران من امتلاك قوة نووية فإن شيئا لن يحدث لإيران أكثر من الحرب الكلامية، ولو أرادت واشنطن تحجيم الدور الإيراني في العالم العربي لما أهدته العراق على طبق فضة زمن بوش الثاني، ولدعمت السعودية في حربها ضد المتمردين الحوثيين وهي الأكثر تضررا منها.
ما يظهر اليوم ولأول مرة في عالمنا العربي، أن إسرائيل باتت حكما واقعا، ولا أمل في دولة للشعب الفلسطيني دام هناك رهان على قوة إسرائيلية لا تعترف بحق من استعمرت أرضهم.
Royal430@hotmail.com
الرأي