لا يحتمل الأردن كل هذه التشظية على بنيته الاجتماعية، ولو عدنا بالذاكرة الى سنين فائتة، لعرفنا بكل بساطة ان التوجه العام، يعزز هذه التشظية ويؤدي الى تقسيم الناس.
بعد كل انتخابات نيابية أو بلدية تجري في الأردن، تحدث مشاكل وأزمات وخلافات ويتم تبادل الاتهامات، حول نزاهة الانتخابات، أو التدخل الرسمي، وتحدث ردود فعل على المستوى الشعبي، موجهة للحكومات، أو بين الناس ذاتهم، اعتراضا على نتائج الانتخابات، بما يؤدي كل انتخابات الى تشظية البنية الاجتماعية، وإثارة الغضب والكراهية والنفور، بحيث ينقسم اقرب الناس الى بعضهم بعضا، على خلفية الانتخابات، والادلة على ذلك كثيرة، في كل مرحلة من المراحل.
هذا يعني ان ادارة كل المشهد، فيها نقاط ضعف كبيرة، سواء ما يتعلق بطبيعة القوانين، او تقسيم الدوائر الانتخابية، او حتى تكريس مبدأ الوجاهة الشخصية في كل انتخابات نيابية او بلدية، او لمجالس اللامركزية، وهناك استثمار كبير في قصة الوجاهة، وكأننا ندخل في معارك شخصية، لصالح هذا الطرف او ذاك، بما يؤدي الى زيادة التحدي والمكاسرة السلبية في هذا المشهد.
لم يستمع احد لكل الملاحظات التي قيلت خلال عقود، وكأن هناك تعمدا بأن تكون الانتخابات وسيلة تكسير اجتماعي، بحيث ينقسم الواحد على نفسه، وهذا الاضعاف للبنية الاجتماعية، ليس مفيدا ابدا، لأنه يمس النسيج الاجتماعي.
في مرات تظن ان التعيين في المشرق العربي، في المواقع التمثيلية في البرلمان وبقية المؤسسات، افضل بكثير من عملية الانتخابات، برغم ان هذا الكلام، يتعارض مع جوهر الديمقراطية، ويمس حقوق الناس، لكن بالمقابل، يتم اجراء الانتخابات بطريقة اسوأ بكثير من حيث الكلفة مقارنة بالتعيين ومصادرة حقوق الناس، وكأن الانسان امام خيارين فقط، اما انتخابات عليها مآخذ كثيرة، وتؤدي الى تشظية المجتمع، او السيطرة على حقوق الناس، وممارستها بالنيابة عنهم، من خلال التعيين، بدلا من الانتخاب، وهذا يأخذنا الى تساؤلات حول جدوى كل ما نراه.
لا بد ان يعاد النظر بكل العملية الانتخابية في الاردن، سواء على مستوى البرلمان، خصوصا، ونحن نقترب من قانون الانتخاب وتعديلاته، وما يتعلق بالانتخابات البلدية واللامركزية، لان نتائج كل هذه العمليات، تترك اثرا حادا في سلامة المجتمع، فوق عدم الاقبال واكتفاء الحكومات بنسبة مشاركة معينة تعتبرها مرضية، بل وتقارنها بدول متطورة جدا لا ترتفع فيها نسبة المشاركة.
هذا الكلام لا يطعن بأولئك الذين يحتفون بكل عملية انتخابية، فلهم رأيهم، كما ان الذين يفوزون بالانتخابات النيابية او البلدية او اللامركزية، يتحدثون بلغة مختلفة عن الناقدين، لانهم وصلوا الى مرادهم، لكن الاصعب هنا، زيادة الفجوة بين مكونات المجتمع على خلفية الانتخابات بحيث يخرج المجتمع منها بظاهرتين سلبيتين، اولهما قلة الاقبال، وثانيهما تصنيع النفور بين الناس، على خلفية مشاكل الانتخابات، ومن يفوز ومن يخسر، وعلى اي اساس، خصوصا، في هذا الظرف.
ما يزال الوقت متاحا لجعل الانتخابات وسيلة لتقوية بنية البلد الداخلية، عبر جعلها وسيلة تغيير يجمع عليها الكل، مع خفض وإلغاء الاضرار الجانبية الناجمة عنها، بعد ان تضاعفت كثيرا.
الغد