سيغادر الدكتور خالد الكلالدة الهيئة المستقلة للانتخابات, ولا أعرف هل سيعود لجراحة العظام في المستشفيات أم أنه سيجلس في بيته مكتفيا بالتقاعد, أم سيقفز إلى موقع جديد..
هاجمنا خالد (اليساري) كثيرا, أنا من الناس الذين صبوا غضبهم عليه... وخالد لم يمارس الجفا لأن اليسار لم يكن لديه منصة (للنطنطة) والتقلب, بقدر ما كان نمط حياة.. وبقدر ما أسس زهده, وبساطته... ويسجل له أنه اليساري الذي ظل في أخلاقه مثل الطفيلة تماما.. وعر التضاريس, ولكن النسمة السكرى في الصيف إذا مرت من على سفح جبل في (ضانا) قد تجرح خد العاشق لحجم سحرها, وما فيها من وجد ولهفة.
ترك مؤسسة عريقة ومهمة, وترك فيها بصمة جميلة, حين تحالف مع مجموعات من الشباب الذين يمتلكون الإرادة والوعي والمعرفة مثل: شرف أبو رمان, منى النمري, سعد العشوش.. وغيرهم, والأهم أنه اعتمد الشفافية كأسلوب إدارة, وانفتح على الجميع...
أنا احب اليسار الوطني المثقف, احترم كثيرا خالد رمضان وخالد الكلالدة.. هما لم يرتميا في احضان السلطة, بقدر ما استقطبتهما السلطة, وجزء من حركة اليساري في الحياة إما أن يحقن السلطة برأيه وأفكاره, وإما أن يكون فيها ويترجم ما يؤمن به على الواقع..
قبل الوظيفة كان خالد الكلالدة أنيقا جدا، وظل كذلك في الوظيفة... ذات المنزل لم يتغير ونفس السيارة, والمرضى ظلوا يتحدثون معه حتى في عز الانتخابات ويحصلون على استشارته, ونقوده التي كان يحصلها من عمليات زراعة الركبة... نقصت ولم تزد، ولكنه ترك تجربة مهمة في الحياة.. وهي أن الموقع الرسمي عرفه أكثر للناس, والموقع الرسمي أيضا قدمه على أنه الرجل المثقف والأهم من ذلك أنه المسؤول الذي يجرؤ أن يقول: (لا أعرف)... ففي جلسة ضمتنا قبل أسابيع قدمت رأيا في مسألة توظيف الحديث النبوي.. لحث الناس على المشاركة, وأجاب بالقول: (لا أعرف ولكني سأعود للأمر وابحث..), وخالد نسجل له أنه لم ينتج صداما لا مع الحكومات, ولا مع المجتمع, ولا مع الإعلام.. بل ظل متصالحا مع الكل ومع نفسه أيضا..
سيغادر الهيئة المستقلة للانتخابات, ربما ستسعفه تلك الاستراحة بأن يعود قليلا للطب.. ويعود أيضا للولائم التي تلم الأصدقاء, ونعود أيضا لتربية (الكرش) من جديد.. هو للأمانة نقص وزنه ونحن ازدادت أحجام (كروشنا)...
أنا أكتب عن تجربة قادها هذا الرجل في السلطة، وعلينا أن نقرأها جيدا... وهي تجربة الزهد والبساطة والوعي.. اجتماع هذه الأشياء في المسؤول, حتما سينتج مؤسسات قادرة على قيادة المجتمع, وبعيدة عن الجدلية والخلاف.. خالية من الأنانية وإسقاط مزاج المسؤول عليها..
أنا عرفت خالد جيدا, حين كتبت عنه مرة وبالعامية (هبرته), تحدث معي وناقشني مطولا فيما كتبت, لم يكن غاضبا يومها, ولم يذهب للمحكمة... مثل الذي أسسوا من مسارات الانتهازية السياسية منصات للإطلالة على المجتمع... وحين لفظهم المجتمع قاموا بنقد الناس.. بل على العكس كان يتفهم أن وظيفة الصحفي هي النقد, وانتهى الحوار بجملة واحدة وهي أني لم اكن منصفا معه... وبعد ولائم وجلسات مطولة مع الرجل, اكتشفت أنه ينسى الخصومات برغبة شخصية منه, هو أبدا.. لا يحمل في قلبه ضغينة أو غضبا, ظل على سجيته... الطفيلي الذي حمل اليسار وفهمه كما لم يفهمه أحد قبله أو بعده...
تحية للرفيق خالد الكلالدة.. الان علينا يا رفيق أن ننتقل من جراحة العظام وجراحة الانتخابات إلى جراحة الولائم والخرفان, فنحن في زمن.. نسينا فيه أنفسنا كثيرا..
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي