قراءة في خارطة الانتخابات الفرنسية وفرصة ماكرون في الفوز بها
أ. د. ناهد عميش
27-03-2022 01:17 PM
الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017 التي أوصلت ماكرون إلى سدة الحكم، شكّلت منعطفاً سياسياً مهمّاً للمشهد السياسي الفرنسي. فلطالما استحوذ حزبان على هذا المشهد ولسنوات طويلة، وهما: حزب "الجُمهوريون" اليميني، حيث حظي هذا الحزب بالفوز مرات عدّة عندما تم انتخاب خمسة رؤساء، أشهرهم، بالإضافة إلى شارل ديغول: جورج بومبيدو؛ وجاك شيراك؛ ونيكولا ساركوزي.
أما الحزب الثاني الآخر؛ فهو الحزب الاشتراكي، إذ وصلت من هذا الحزب شخصيتان لسدة الحكم، هما: فرنسوا ميتيران؛ وفرنسوا هولاند.
وفي انتخابات عام ٢٠١٧ تمكّن ماكرون من تغيير هذا المشهد الذي انحصر بانتخاب الرؤساء من حزب "الجمهوريون" أو الحزب "الاشتراكي "، وذلك بانشقاقه عن الحزب الاشتراكي، وتشكيله لحزب "الجمهورية إلى الأمام".
وبعد أيام سيتوجه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وسيتم تنظيم الجولة الثانية بعد أسبوعين من ذلك التاريخ إذا لم يحظٓ أحد المرشحين بأغلبية الأصوات.
وتشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أن أقوى المرشحين، هو إيمانيول ماكرون من حزب "الجمهورية إلى الأمام"، تليه مارين لو بن مرشحة حزب اليمين المتطرف "التجمع الوطني"، ومن ثم جون لوك ميلانشون اليساري عن حزب "فرنسا الأبية"، تليه مرشحة حزب "الجمهوريون"فالاري بيكريس وبعدها يأتي زيريك زمور عن اليمين المتطرف وحزبه "الاسترداد".
ومن أقوى المنافسين لماكرون حتى هذه اللحظة، هي مارين لو بن عن حزب "التجمع الوطني" التي مرٌت بانتكاسات عديدة خلال فترة ترشحها؛ منها ظهور اليميني الأكثر تطرفاً إيريك زمور الذي سحب ١٠ بالمئة من مخزونها الانتخابي فور ترشحه، إضافة إلى انسحاب شخصيات قيادية بارزة من حزبها، وانضمامهم إلى زمور، ومنهم بنت اختها، والانتكاسة الأخيرة كانت ما تشهده الآن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بسبب موقفها غير الواضح منها. ولكن كل هذه الانتكاسات لم تزعزع مركزها، وهو الثاني بعد ماكرون، والسبب في ذلك أنه، وبالرغم من خسارتها لبعض من ناخبيها لصالح زمور، إلا ان وجود شخصية غاية في التطرف في المشهد السياسي؛ وهو زمور، أظهر مارين أكثر اعتدالاً من منافسها في المعسكر اليميني المتطرف، حيث وعد زمور ناخبيه باستحداث وزارة تكون مهمتها إرجاع كل المهاجرين غير الشرعيين لبلادهم.
لم تخل فترة حكم ماكرون من التحديات الصعبة، ومن أبرزها كانت الأزمة الاقتصادية؛ وخروج نحو 300 ألف من الفرنسيين إلى الشارع، حيث ارتدوا ستراتهم الصفراء عام 2018 ليعلنوا احتجاجهم على سياسات ماكرون التي يرون بأنها تطحن الطبقة العريضة من الشعب، لصالح شريحة الأغنياء. والتحدي الآخر كان أزمة كورونا؛ حيث أُتهم الرئيس من قبل الفرنسيون بسوء إدارته للأزمة في بداياتها.
ولكن، وبالرغم من كل هذه الأزمات، إلا أن ماكرون ما يزال لغاية الآن المرشح الأقوى حسب استطلاعات الرأي؛ ومن أسباب ذلك أولاً: السياسة الخارجية لفرنسا وحرب روسيا على أوكرانيا التي عملت على تعزيز موقفه بالوقت الذي تعتبر ضربة قاسمة لكثير من المرشحين، خاصة اليمينيين المتطرفين. إذ استمرت مارين لو بن بتغيير مواقفها اتجاه الحرب الروسية على أوكرانيا فأعلنت في بداية الحرب عن "أسفها إزاء قرار بوتين"، داعية إلى "القيام بكل شيء من أجل العودة إلى الحوار بهدف ضمان الأمن في أوروبا"، وبنفس الوقت رفضت في يناير الماضي خلال تجمع حاشد في مدريد مع مجموعة من الأحزاب اليمينية الأوروبية التصديق على فقرة من إعلان مشترك تدين "العمليات العسكرية الروسية على الحدود الشرقية لأوروبا".
والسبب الآخر الذي يعتبر داعم له هو عدم وجود مرشح قادر على سحب البساط من تحت قدميه، وذلك بسبب انقسامات الأحزاب، إذ فشل اليسار الفرنسي من توحيد صفوفه، وهو يطرح الآن اثنين من المُرشَّحين؛ ميلونشون عن الحزب اليساري المتطرِّف "فرنسا الأبيَّة"، وفابيان روسيل مرشح عن "الحزب الشيوعي".
وقد نجح اليمين في تقديم مرشح واحد، وهو فاليري بيكريس، ولكن هذا لم يحصل عند اليمين المتطرف الذي يقدّم مرشحان، وهما: مارين لوبان؛ وإريك زمور.
هذه العوامل تشكّل دعماً قوياً لماكرون ليحظى بالفوز بفترة ولاية رئاسية ثانية،ولكن هناك دائماً تغيرات تحصل في اللحظات الأخيرة، وما سيحصل في الحرب الروسية على أوكرانيا وتطوراتها، ستلقي بظلالها حتماً على نتائج هذه الانتخابات.