لن أتقدم بواجب العزاء إلى أبناء الراحل العزيز حسن أبو علي، مؤسس كشك الثقافة العربية، لأنني ببساطة أعتبر نفسي واحدا من المصابين بفاجعة هذا الرحيل المبكر، وهذا ما يحصل فعلا، حيث تلقيت الكثير من اتصالات ورسائل التعزية من الأصدقاء الذين يعرفون مدى وحجم علاقتي الوجدانية مع الراحل.
تعرفت على الرجل في منتصف السبعينيات تقريبا حينما عملت سكرتيرا صباحيا في رابطة الكتاب الأردنيين، وكنت مجرد أعرابي يجوب عمان مدهوشا يقرأ الكتب بكثرة ويحاول كتابة الشعر.
كان كشك أبو علي، قبل أن يتحول الى اسمه الحالي في التسعينيات من القرن المنصرم ملاذي الآمن ومحجّي كلما نزلت إلى وسط البلد. فيه تعرفت على نفسي وعلى الكثير من الزملاء وديدان الكتب الأخرى، وفيه أيضا تحولت من شاعر إلى كاتب ساخر، ومن طفل إلى شيخ جاوز الستين.
كان حسن أبو علي كائنا محوريا في حياتي، وكانت مضافته العامرة دوما بالكتّاب والمطالعين هي سوق عكاظ الأردني الدائم الانعقاد الدائم التجدد الدائم الفاعلية.
شاركت مع «أبو علي» في ندوات متعددة لعل أبرزها ندوة في مركز لجان التضامن مع النساء بترتيب من العزيزة تهاني مصطفى، وأخرى في مقهى الفينيق الثقافي، عدا عن أن الكثير من جلساتنا على باب الكشك هي ندوات ثقافية بحق وحقيق.
حين يحدثك أبو على عن عمان الخمسينيات والستينيات تشعر وكأنك تعيش معه تلك اللحظات، لعل أبو علي هو أول من أسس للواقع الافتراضي الذي يسعى اليه المستر مارك مؤسس فيس بوك التي تغيرت إلى الميتا حاليا. فعلا كنا نجول معه في أزقة عمان ونبيع الجرائد معه ونعاني البرد والحرقة والحرمان معه، نتعرف على الشخصيات العامة في ذلك الوقت بشكل أكثر واقعية مما نقرأ عنهم في الكتب.
لعل أول هزائم حسن أبو علي الداخلية كانت بوفاة زوجته الشابة قبل عقد من السنوات تقريبا. منها والرجل يبتلع أحزانه ويدخن بشراهة تزايدت مع الأيام حتى أكلته بنيرانها، كان مخلصا لسيجارته حتى آخر نفس، ولم يصغ لنصائح الأطباء ولا لنصائحنا...هذا هو حسن أبو علي: مخلص حتى الموت.
عرف أبو علي أن لا مناص من الحياة ولا مناص من الوفاة، لذلك عاش وهو يطلق كافة ذخائر قلبه الحية المفعمة بالحب على الجميع، فأدمانا بحبه وأدمانا بموته المبكر.
وداعا يا صديقي.
الدستور