الرسائل والأطاريح في الجامعات الأردنية
د. فرحان عليمات
26-03-2022 09:18 PM
تتجلى معظم أهداف قانون التعليم العالي والبحث العلمي نحو تشجيع البحث العلمي والابتكار لخدمة المجتمع وتنميته، وتعتبر الجامعات الأردنية الجهات التنفيذية لتلك الأهداف والتطلعات ، وتتعدد أوجه البحث العلمي في الجامعات الأردنية، ما بين الرسائل والأطاريح الجامعية، والأبحاث العلمية للأساتذة والطلبة، وبراءات الاختراع وتقييم الكتب العلمية والأكاديمية، والمؤتمرات والندوات والأيام العلمية والابتكار والريادة، والابتعاث للجامعات الخارجية، والمجلات العلمية المحكمة،وما يتبع ذلك من إجراءات وآليات وحوافز لدفع مسيرة البحث العلمي.
ما سأتناوله في مقال اليوم يتعلق بالأطاريح والرسائل الجامعية التي تشمل مرحلتي الماجستير والدكتوراة، إذ أنّ جودتها ومراعاتها لأصول البحث العلمي الرصين بات محل تساؤل في الجامعات الأردنية، ولعلّ ما يعزز هذا الرأي كتاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الموجّه للجامعات الأردنية قبل عدة شهور والذي أورد تعليمات موّحدة للنهوض بسوية الرسائل والأطاريح الجامعية وجودتها، وتضمّن الكتاب ضرورة أن يكون هناك قارئا خارجيا للرسالة والأطروحة، و محكم إضافي مع لجنة المناقشة المحددة، إلّا أن التعليمات الناظمة لمنح درجة الماجستير والدكتوراة في الجامعات الأردنية قد تكون حالت دون الالتزام بكتاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وبالتأكيد إذا ما أردنا أن ندفع بسويّة البحث العلمي في الجامعات الأردنية، فلا بدّ من تعديل تلك التعليمات، وهي صادرة أصلًا عن مجالس العمداء ولا يتطلب تغييرها كثيرًا من الصعوبة.
وثمّة إشكاليات أخرى تتعلق في آليات الإشراف والمناقشة، فلا يُعقل أن يناقش ويشرف بعض الأساتذة على عشرات الرسائل والأطاريح في العام الجامعي الواحد،خاصة إذ ما ادركنا العبء الملقى على عاتقهم من تحضير وتدريس وامتحانات، ومواكبة متطلبات الاعتماد والجودة، ويعزز تلك الإشكالات الرغبة في سرعة إنهاء الإشراف على الرسالة أو الأطروحة الواحدة المكافآت الممنوحة ما بين المبلغ المقطوع وبين الساعات المعتمدة، فبعض الجامعات الأردنية تمنح لعضو هيئة التدريس (500) دينارا أو أكثر كإشراف، وبعضها يعمد ليكون الإشراف من ضمن العبء التدريسي للمدرس، ولعلّ هذه الطريقة أجدى وأكثر نفعًا من المبلغ المقطوع، إذ إنّ المبلغ المقطوع قد يدفع بالبعض لتقديم الطالب إلى المناقشة بعد إنتهاء المدّة المقدّرة حسب التعليمات، دون مراعاة لمدى استكمال الرسالة أو الأطروحة لأصول البحث العلمي وجودته.
وثمّة إشكالية أخرى تتمثل في وجود المكاتب والتي تسمى دكاكين البحث العلمي، وتنتشر قرب الجامعات الأردنية، وتقوم بكتابة الرسائل والأطاريح للطلبة مقابل الأجر، وهذا يشكّل انتهاكًا صارخًا لأخلاقيات وجودة البحث العلمي، وتبرز الإشكالية الأخرى في ضرورة مراعاة التخصّص الدقيق للإشراف على الطلبة، وهذا ما نصّت عليه معظم تعليمات الدراسات العليا في الجامعات الأردنية؛ إلّا أننا نرى رسائل وأطاريح يتمّ الإشراف عليها من قبل أي أحد من أساتذة القسم أو الكلية، مع العلم أن أصحاب التخصص الدقيق متوفرون.
وخلاصة القول لا بدّ أن يتّم الارتقاء بجودة البحث العلمي في الرسائل والأطاريح الجامعية وأن يتم توظيفها واستثمارها لخدمة المجتمع المحلي والوطن عمومًا، وأن يتم وضع ضوابط وآليات للمناقشة والإشراف تنهي ظاهرة الاحتكار وتبادل المصالح بين أعضاء هيئة التدريس فيما يخص اختيار لجان المناقشة، وأن يكون هناك مدة زمنية مقبولة ليستطيع المشرف تقديم طالبه للمناقشة، وأن يكون تقييما عادلا وموضوعيا للمناقشة ونتيجتها، فلا يعقل من آلاف الرسائل والأطاريح التي تناقش تُمنح درجة ناجح أو ناجح مع إجراء تعديلات طفيفة، ولا يكون هناك رسوبا، فنحن بحاجة لأن نرتقي بطلبتنا والبحث العلمي في جامعاتنا بعيدًا عن المصالح والمكتسبات الضيقة.