الحال العربي والبحث في العلاقة الأردنية الفلسطينية
أ.د. كامل ابو جابر
02-07-2007 03:00 AM
لا ادري كيف يحدث ما يحدث في عالمنا العربي اليوم من مصائب, والانظمة العربية تتصرف وكأن ما يحدث يحدث في مكان آخر لعله المريخ او ربما احد النجوم البعيدة. ولا استطيع ان اجزم من هي الاصابع الخفية التي تعمل في الخفاء احيانا وعلى السطح احيانا اخرى لتفعل فينا ما تفعل وكأن الامر يحدث لجسد غير جسدنا وكأننا فقدنا الاحساس بشكل كامل.بالطبع يهمني ما يجري على ارض الصومال والسودان والعراق ولبنان وفلسطين واحاول احيانا ان افكر كما يفكرون في واشنطن وتل ابيب وحتى طهران لاستشرف آفاق ما يخطط لنا لعلني اساعد على التخطيط له, ولكن سرعان ما اصحو على واقع حالنا حيث تتصرف القيادات العربية وكأن شعوبها لا رأي لها, سعيدة بان تساق هنا وهناك فليس هناك من يسأل ولا من يسمع, وان استمع فيستمع الى همسات ووشوشات ما يرشح اليه من الاجهزة الامنية فقط.
لدّي الكثير الذي اقدر ان اقوله في القائد العربي »الملهم« والالهام كما يعلم القاصي والداني من صفات الله عز وجل يهبه لمن يشاء حين يشاء ومن دون حساب. لكن ما اريد ان اركز عليه هو الحال الاردنية وعلاقة الاردن بفلسطين وهي علاقة قديمة تحكمها اواصر الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة.
اعتقد انه لا بد لنا من الاستمرار في اتباع السياسة الحكيمة التي درجت عليها الحكومات الاردنية المتعاقبة منذ مؤتمر مدريد والتي تصر على ان الحديث في مستقبل العلاقة الفلسطينية الاردنية ان كانت اندماجية ام فدرالية ام كنفدرالية امر سابق لاوانه وان مثل هذا الامر لا بد وان ينتظر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني.
هذا صحيح, وتصريحات سيد البلاد الملك عبدالله الثاني التي تتجلى بالحكمة وبعد النظر واضحة كل الوضوح وبتواضع جم اقول انني كنت قد ساهمت بعض الشيء في اعتماد هذه السياسة في اعقاب مؤتمر مدريد نظرا لظروف القضية الفلسطينية آنذاك والتوقعات المتفائلة بامكانية التوصل الى تسوية سلمية معقولة.
ولكنني اعتقد اليوم ان هذه الظروف قد تغيرت وتبدلت الى حد كبير, واطراف المعدالة, الثلاثية امريكيا واسرائيليا وعربيا- فلسطيينا, يتمتعون بأوزان سياسية وعسكرية وغير ذلك مختلة الى حد كبير نظرا للعوامل التالية:اولا: ان القرار المتعلق بمصالح المنطقة وحتى مصيرها يصنع في عواصم غير عربية وتبعا لمصالح تلك العواصم. ثانيا: اصبح واضحا ان اسرائيل تريد الاستيلاء على كامل ارض فلسطين, وهذا بالنسبة لها مسألة وقت إن عاجلا ام آجلا, باجلاء الفلسطينيين عن ارضهم وكذلك القضاء على السلاح الوحيد: القنبلة السكانية التي هي فعلا السلاح الوحيد; الذي يؤرق البال الصهيوني. ثالثا: مثل هذه السياسة الاسرائيلية التي تساندها دول العالم الغربي مجتمعة بدرجات متفاوتة لن تسمح فعلا بقيام دولة فلسطينية بين البحر الابيض المتوسط ونهر الاردن وهي سياسة اسرائيلية ثابتة منذ عهد رئيس وزراء اسرائيل ديفيد بن جوريون وهكذا عندما طلع علينا الرئيس بوش والحكومة الاسرائيلية بسياسة مفادها موافقتهما على حل يعتمد دولتين اسرائيلية وفلسطينية جنبا الى جنب. تساءلت اسرائيل جنبا الى جنب مع من؟
وسارعت حينها لمقابلة رئيس الوزراء الاسبق علي ابو الراغب لابدي مخاوفي من ان اسرائيل ربما تهدف لاحياء مفهومها القديم الحديث بالحل على حساب الاردن كوطن بديل للفلسطينيين, وقلت حينها واقول اليوم ان ما تريده اسرائيل هو فلسطين كلها ومشكلتها بعد ان احتلت الارض هي ماذا تفعل بالسكان.
رابعا: لقد تبدل الوضع الفلسطيني بشكل واضح وكبير وها هي حماس وقد سيطرت على قطاع غزة وهدر الاخ الفلسطيني دم اخيه ولا يعلم احد في العالم العربي على وجه الخصوص ما هي الخيوط الخفية التي مهدت لما حدث في لبنان وسيطرة حزب الله على جنوبه ولا تلك التي مهدت لحكومة حماس ولا انهار الدم الجارية في العراق ولا ما هي اهدافها البعيدة المدى.
كل هذه الظروف وغيرها جديدة لا بد وان تحدونا ان نحاول استباق ما قد يخطط لنا, الامر الذي يعيدني الى الخوض في سياسة ان البحث في العلاقة الفدرالية او الكنفدرالية سابق لاوانه. ربما هذا صحيح في الوقت الراهن وان كان هذا لا يمنعنا من اخذ زمام المبادرة وان نقوم نحن بطرح مبادرة حول ابعاد هذه العلاقة الاردنية الفلسطينية بدلا من ان ننتظر كالعادة ليقوم غيرنا بطرح الافكار علينا ونتوه نحن ايضا كالعادة في غياهب البحث في دوافعها واسبابها.. الخ.
مبادرة من عدة نقاط اولها ان المواطن مواطن على ارض الاردن وبغض النظر عن الاصول والمنابت وان الفلسطيني على الارض الاردنية اردني وان الجميع شركاء لاجل الاردن وفلسطين. مثل هذه السياسة من شأنها ان تسهل عملية التنمية السياسية من جهة وان تسكت الاصوات التي تهمس بين الحين والاخر بالحقوق المنقوصة وغير ذلك.
كما ولا بد لهذه المبادرة ان تَطْرحَ للفلسطينيين والعالم تَصوّرَ الاردن عن شكل العلاقة المستقبلية بين الاردن وفلسطين. والافكار هنا تتزاحم والمشاريع كثيرة ولا اعتقد بضرورة الاختلاف حول الاسماء والمسميات, بدءا من مشروع المملكة الاردنية الفلسطينية المتحدة او المملكة العربية المتحدة او غير ذلك فالاصل لا بد وان يستند الى صيغة مكتوبة مدونة تصبح المرجعية الاساسية وتؤكد على ان العقد شريعة المتعاقدين. مثل هذا الطرح يمطئن الشارع الفلسطيني اولا وكذلك الشارع الادرني بأن الامور مدروسة ومحكمة وان على الشركاء ليس الرضا فحسب بل العمل الجاد لانجاح العملية. قبول هذا الطرح كذلك سيعمل على طمأنة الجانب الامريكي والغربي والاسرائيلي ان الامور تجري وفق مخطط مدروس وان لا خوف هناك من فلتان او تهور.
وهنا لا بد من استذكار بعض الحقائق التي قد تساعد على استيعاب الاسباب الموجبة لهذا الطرح الذي قد يشكل جزرة من الناحية الامريكية الغربية الاسرائيلية والعربية كذلك. واول هذه الحقائق ان مثل هذا الطرح قد يؤدي الى ايقاف التراجع والتنازل العربي المستمر على مدى تاريخ القضية الفلسطينية. اما اردنيا فلا بد من التذكير ان الاردن شاء ام ابى اصبح الحاضنة والمستودع للشعب الفلسطيني الذي قاسى الامرين جراء الهجرات القسرية المتتابعة. ولا يمنع الاعتراف بهذه الحقيقة الاردني بغض النظر عن اصله ومنبته من الاحساس والانتماء العاطفي وحتى السياسي لفلسطين وارضها. فاذا ما جاز هذا الامر للاندونيسي او التركي او النيجيري فلا بد وان يكون امرا طبيعيا لاهل هذه الارض المقدسة, فلسطين والاردن.
لا بأس في الاستمرار في سياستنا الحالية ولكن لا بأس كذلك اذا ما طرحنا نحن تصورا لمستقبلنا يطمئن الاردني والفلسطيني والعربي والاخرين.