"الروبل" ينهض دفاعاً عن روسيا
د.حسام العتوم
26-03-2022 11:31 AM
لازالت أمريكا تصر على توجيه سلسلة من العقوبات الاقتصادية على روسيا الإتحادية، وتحديداً مواطنها الروسي لتشجيعه على الثورة ضد نظام بلده السياسي، وحدث هذا منذ اندلاع عمليتها العسكرية الخاصة التي صنفتها موسكو (بالنظيفة) على غرب أوكرانيا وليس على جيرانها الأوكران، وبهدف اجتثاث ليس مخطط (كييف) لمهاجمة اقليم (القرم)، واقليمي ( الدونباس ولوغانسك) شرق أوكرانيا فقط، وفصيل " أزوف " العنصري، وإنما لدرء خطر أكبر أيضا كان من الممكن أن يهدد سيادة وأمن الدولة الروسية بالكامل عبر تحالف غرب أوكرانيا مع حلف (الناتو)، ومن خلال الشروع سراً في انتاج قنبلة نووية بالتعاون مع الغرب الأمريكي لتحقيق أهداف مشتركة مع النخبة السياسية الإنقلابية الحاكمة في (كييف) المحسوبة على التيار البنديري المتطرف القادم من أوتون النازية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية، والمتعاون مع (أزوف)، وغايات الغرب الأمريكي مجتمعاً أيضاًِ، المنقاد أمريكيا للوصول إلى مرحلة اضعاف روسيا، والتمني لها بأن تمر بمرحلة ما قبل الرئيس فلاديمير بوتين من جديد، وأعني مرحلة بوريس يلتسين الفاشلة، وحتى إلى مستوى مرحلة انهيار الأتحاد السوفيتي في عهد ميخائيل غورباتشوف عام 1991، صاحب فانتازيا البريسترويكا، ولمستوى الحلم برؤية روسيا تنهار بالكامل أمام أعين أمريكا وبريطانيا وعموم الغرب، وهو الهدف المنشود الكبير الذي لن يتحقق بعون الله، وبهمة بوتين والقيادة الروسية الحكيمة في قصر (الكرملين ) الرئاسي، وعبر وزارتي الخارجية والدفاع، وأسماء سيرجي لافروف، وسيرجي شايغو, ويوري أوشاكوف كبيرة في فضاء السياسة والعسكرة الروسية.
وأقوى تصريح لساسة المرحلة خارج روسيا هو ما صدر عن الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان الذي دعا لحلول وسط بين (موسكو) و(كييف)، ولكي يعزف الغرب عن عقوباته الاقتصادية ضد روسيا.
ولقد خط الكاتب الأردني الكبير أحمد سلامة مقالة في موقع عمون الإخباري بتاريخ 24 أذار 2022 بعنوان " كلام في العولمة والأمركة "، تضمنت عبارة قال فيها " أما بوتين المسيحي الواضح في أروذوكسيته، فإن حنيناً ماركسياً خفياً يجري في عروقه، .. فهل الذي يجري هناك على يدي رئيس أوكرانيا هو حرب دينية ؟ أزعم أنها ليست سوى ذلك، مثل العراق تماما، .. وتعليقي هنا هو بأن الموضوع الديني المسيحي بشقيه الأرذوكسي والكاثوليكي غير مطروح بقوة على مسرح الحرب أو العملية العسكرية الروسية الدائرة منذ شهر والتي تحمل أهدافاً عسكرية محددة، مهددة لأمن شرق أوكرانيا حيث يعيش الروس والناطقين بالروسية من الأوكران وبحجم أربعة ملايين نسمة، ولأمن الدولة الروسية جارة أوكرانيا، وجب التخلص منها دفعة واحدة قبل الخروج من أوكرانيا عسكريا وبعد توقيع سلام عادل يضمن شروطها دون الالتفات لصراخ الغرب الأمريكي وعقوباته الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية واللوجستية التي تستهدف شعبية الرئيس بوتين والتي تصاعدت ولم تتراجع، ودراسة بريطانية حديثة اثبتت ذلك، واحتفالية موسكو بمرور ثماني سنوات على عودة القرم شاهدة عيان.
وفي المقابل ومع استقلال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي عام 1991، وتحديداً بعد انقلاب (كييف) الدموي عام 2014 عمل الأوكران وسط جناحهم الغربي على فصل كنيستهم عن الكنيسة الأم في موسكو التي يقودها البطريرك فلاديمير كيريل، وذهبوا للتخلص من اللغة الروسية – لغة التاريخ كذلك، وتنكروا للقراءة الرسمية (الروسية والسوفيتية) للحرب العالمية الثانية " العظمى" وأظهروا من طرفهم بأن من بدأ الحرب ليس أودولف هتلر وإنما السوفييت بقيادة الروس.
وبقي الموضوع الديني المسيحي والخلافات حوله مجرد همسات سياسية في بيوت الروس والأوكران، وبين العسكر. قال البطريرك كيريل يوماً " إن الصراع الجاري هو امتداد لصدام ثقافي بين العالم الروسي الأوسع والقيم الليبرالية الغربية ".
وتَمثَّل دور الكنيسة الروسية في تهذيب السياسة والحرب, وفي محاربة المثليين. والرئيس فلاديمير بوتين، نعم كان شيوعياً لعشرين عاماً في الحقبة السوفيتية، وارتبط وجوده بالحزب بعمله الاستخباري المبكر والمتطور، والوطنية والقومية الروسية والسوفيتية هي التي تجري في عروقه وليس الماركسية رغم احتفاظه ببطاقة الحزب حتى الآن، وهو الذي شكل حزباً حاكماً اطلق عليه اسم " روسيا الموحدة " وحول الحزب الشيوعي إلى معارض وموالي لشخصه وللكرملين ذات الوقت. والحرب التي يقودها غرب أوكرانيا بقيادة الرئيس فلاديمير زيلينسكي تعود جذورها لعام 2014، وحملت هدف ضم شرق أوكرانيا والقرم بالقوة، والحاق الأذى بروسيا، وهو عام الإنقلاب الأمريكي – الغربي – والغرب أوكراني تحت إغراءات التحسن الاقتصادي والاحتماء تحت عباءة (الناتو).
والآن وبعدما وقع الفأس بالرأس، وطالت الحرب في أوكرانيا، اظهر الغرب الأمريكي، خاصة أمريكا – جو بايدن وبريطانيا – جونسون عن أنيابهم لمعاقبة روسيا الإتحادية المتفوقة عسكرياً والناهضة اقتصادياً بقيادة بوتين، وهم من طالبوا مبكراً بالدعوة عبر كونغرسهم للتخلص من شخصيته القيادية لكي لا يترشح من جديد عام 2024، و ينجح، بعد تصفيره لدستور بلاده لاحقاً، مع إمكانية البقاء في السلطة حتى عام 2036، وهم من اخترعوا رواية إحتمال استخدام روسيا للسلاح الكيميائي المحظور عالمياً ضد غرب أوكرانيا، وتحديداً ضد شعب غرب أوكرانيا، وحرضوا ماكنات اعلام العالم على مثل هكذا موجة سياسية كاذبة لا تنسجم والعقيدتين السياسية والعسكرية، والأخلاقية الدينية الروسية كذلك، والتاريخ الروسي – السوفيتي نظيف كما حربهم الآن، وأخطاء الحرب واردة بطبيعة الحال، وهي محدودة، وحرصهم على دقة العمل العسكري كبيرة، وليست روسيا هي التي قصفت اليابان نووياً في واقعتي " هيروشيما وناكازاكي " عام 1945، ومنذ عام 1949، وعندما اخترع السوفييت بقيادة روسيا " القنبلة النووية " ليس لم يستخدموها فقط، وانما منعوا الغرب المجازفة بإستخدامها، وشكلوا سداً منيعاً بوجه " الناتو "، ودعوة وبمبادرة من بوتين عام 2000 لإدخال روسيا في الحلف الغربي العسكري بهدف إنهاء الحرب الباردة، لكن واشنطن التزمت الصمت.
ولقد اشتعل الحسد والعداء في جوف (بايدن وجونسون)، وجروا الغرب معهم، بسبب فشل مشروعهم العدواني والاستخباري الغربي في أوكرانيا، وكشفت روسيا في مجلس الأمن عن مراكز الأبحاث البيولوجية الأمريكية – الأوكرانية الغربية والإسرائيلية الخطيرة المنتجة لفايروس " كورونا " وبتمويل مباشر من ابن الرئيس الأمريكي جو – بايدن ( هانتير )، وظهروا مجتمعين وكأنهم، كما فعلوا حديثا في " بروكسل " بتاريخ 24 أذار الجاري محامون دفاع عن سيادة أوكرانيا، وعن شعب غرب أوكرانيا فقط، وكرروا رواية " السلاح الكيميائي " رغم تناقضه وسياسة موسكو كما ذكرت هنا أعلاه. وسبق لروسيا لمن يقرأ التاريخ المعاصر أن أقنعت أمريكا في (جنيف) عام 2013 بتفكيك ترسانة السلاح الكيميائي للجيش العربي السوري، وبالمناسبة فإن أمريكا لا تقدم على أية خطوة ايجابية إلا إذا كانت لإسرائيل مصلحة استراتيجية فيها. وهي أي روسيا من ساعدت أمريكا في ملف الأزمة النووية لكوريا الشمالية التي كادت أن تلحق الضرر بواشنطن والعالم.
وبعدما توجه الغرب مجتمعاً لمعاقبة روسيا اقتصادياً عبر توقيف نظام " سويفت " المصرفي، وتجميد رصيدها المالي عندهم والبالغ 450 مليار دولار، وبعد تحريض العالم وفي مقدمتهم الصين على مقاطعة روسيا، وتمرير رسالة لها بأن مصلحتها مع الغرب وليس مع روسيا، نشتم منهم رائحة القطب الواحد الواجب أن ينتهي دوره لصالح نظام تعدد الأقطاب عالمياً الذي تقوده روسيا المعارضة حالياً، وهو المنفتح عالمياً ويقبل بكل الأطراف، ذهبت روسيا لتفعيل عملتها الوطنية " الروبل " عبر نظام " مير " المصرفي، والطلب من دول العالم الصديقة وغيرها المحسوبة على الغرب شراء مصادرها الطبيعية الهامة في اطار صادراتها بالروبل الذي بدأ يتعافى، وهو الذي تم ربطه بالمصادر الطبيعية وليس بالدولار أو باليورو، العملتان المصنفتان روسيا بأنهما ورقيتان فقط، وبالمناسبة عاش الإتحاد السوفيتي 69 عاماً بين عامي 1922 و1991 مستخدما " الروبل " ولم يرتبط بأية عملة أجنبية. ولقد حان في روسيا وقت الاعتماد على الذات وطنياً وقومياً، وعلى شبكة الأصدقاء في الصين، وفي الهند، ووسط العرب، وأبعد من ذلك.
وأعلنت روسيا مؤخراً بأنها أصبحت تمتلك أقوى أسلحة في العالم، والأمثلة هنا كثيرة، أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر صرف روسيا ما قيمته 350 مليار دولار لإنتاج 14 نوعاً من السلاح الحديث، وبكل تأكيد يمتلك حلف (الناتو) أسلحة حديثة لا تقل أهمية عنها، وميزانيته تفوق الجيش الروسي وتصل إلى 700 مليار دولار، وأكبر أنواع القوة تكمن بكل تأكيد بالتمسك بالقانون الدولي، وبالمحافظة على أمن العالم، وبنشر السلام وتحويله لتنمية شاملة لصالح الأجيال المتعاقبة، وليس أجمل من الحوار الهادف والمقرون بمدة زمنية محددة لضبط الأزمات وفي مقدمتها الأوكرانية الحالية، والفلسطينية الدائمة عبر قضيتها العادلة .
وألفت الإنتباه هنا إلى أن النظام السوفيتي لازال حاضراً ويتمتع بمنظومة أمنية – عسكرية تحيط بروسيا الإتحادية الناهضة كما السوار، وتحافظ على أمنها، وعلى أمنهم المشترك، ولا أهداف عدوانية لديهم كما تشيع ماكنة اعلام الغرب، ولا رغبة لديهم بالعودة لإمبراطورية الإتحاد السوفيتي. وهو الكيان السياسي الغربي المحتاج لأن يستقل عن أمريكا وحتى عن بريطانيا لكي يحافظ على هيبته أمام العالم، ولا يوجد ما يمنع للدعوة لإنتخابات رئاسية أمريكية وأخرى بريطانية مبكرة للقدوم بقيادة جديدة تليق بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية وببريطانيا، والحرب بالوكالة من طرف الغرب الأمريكي في أوكرانيا أصبحت مكشوفة، وستبقى لغة الحوار والمنطق، والاعتراف بالآخر هي الواجب أن تسود، ولا مكان للحروب، ولا زمان لصناعة الأزمات نقبل.