قبل الاجتياح الروسي لاوكرانيا، كانت خيارات روسيا متعددة ومتنوعة، إحدها فقط واكثرها تكلفة وسوءا الاداة العسكرية. اما وقد اختارت روسيا هذه الاداة متجاهلة متغيرات موضوعية حدثت في العلاقات الدولية، ومخطئة في حساباتها حول قدرتها وثقلها للتاثير في المسرح الدولي، اما وقد تجاهلت كل ذلك، فيبدو ان خياراتها الان للخروج من الازمة في غاية الصعوبة واحلاها مرٌ.
امام روسيا ثلاثة خيارات: ابقاء الوضع على ما هو عليه باجتياح جزئي لبعض من اراض اوكرانيا، او التصعيد عسكريا والضغط لاحداث ازمة لاجئين في اوروبا او ربما مزيد من الفوضى في سوق الطاقة العالمي، والخيار الثالث الانسحاب ومحاولة اعادة عقارب الساعة للوراء. في الخيار الاول التكلفة المتحققة على روسيا مرتفعة باهظة بدأت روسيا تأن جراءها، وهذه التكلفة مرشحة لان تزداد وتضغط على عصب الاقتصاد الروسي الذي لن يقاوم حتى لو تحول لاقتصاد حرب. الاتحاد السوفيتي انهار بسبب اهماله للبعد الاقتصادي في معادلة نمائه وبقائه وهذا ما سيحدث مع روسيا ان تجاهلت التكلفة الاقتصادية التي ترتبت عليها. اما الخيار الثاني فهو ايضا مكلف وسيرتب تصعيدا اقتصاديا مقابلا يفوق بأميال ما يحدث الان، والاخطر انه سيدفع دولا اوروبية وربما امريكا لكي تنخرط عسكريا بشكل مباشر، وهو ما سيكون كارثة على الجميع واكثر الكوارث ستكون على روسيا. وروسيا في حال جنت واختارت هذا المسار ستجد نفسها وحيدة، وستراقب اقرب الدول لها ما ستؤول اليه الامور من كارثة على روسيا. الصداقة بين الدول شيء جيد لكن لا وجود لها في العلاقات الدولية والحروب، فالمصالح وتحقيق الاستقرار والامن للشعوب هو ما سيغلب على اي اعتبارات للصداقة. اما الخيار الثالث فهو ايضا قاس سياسيا ولا شك سيرتب تكلفة كبيرة وتغييرا على المشهد السياسي الداخلي الروسي.
في حالات تاريخية مشابهة، كان المخرج عبر طريقين: الاول مفاوضات مباشرة لانهاء ما يحدث والاتفاق على خطوط عريضة للعمل والتفاهم السياسي والاقتصادي، والخيار الثاني دولة وسيط قريبة من الطرفين تحقق نوعا من التوازن والتفاهم لاعادة الامور لنصابها. الخيار الاول مستبعد النجاح لان الاطراف المواجهة لروسيا ليست اوكرانيا بل اوروبا وأميركا، فمن قال ان تفاهما ثنائيا بين اوكرانيا وروسيا سيوقف عقوبات اوروبا وامريكا ضد روسيا؟ هذا على الارجح لن يحدث، لذا فالخيار الثاني هو الاكثر منطقية واحتمالات نجاحه اكبر، وفي هذه الحالة ان تمت، فالارجح ان تتكبد روسيا تكلفة اي خسائر رتبتها الحرب، تمام كما حدث مع العراق في حالة غزوه للكويت، والارجح ايضا ان يترك التفاهم حول امر انضمام اوكرانيا للناتو للتفاهم الثنائي بين البلدين. ولكن حتى في هذه الحالة فرفع العقوبات سيكون بطيئا وعلى مراحل وهذا سيرتب اعباء وتكلفة ستتكبدها روسيا.
قرار الحرب كبير وخطير، اصلاحه او العودة عنه اعقد بكثير من قرار الدخول للحرب.
(الغد)