الفيس بوك، موقع للتواصل الاجتماعي، وبصراحة، فإنني أجد في الفيس بوك أكثر من ذلك.
عادتي الصباحية التي يضبطها توقيت صارم كل يوم أنني أبدأ بفتح صفحتي الشخصية، وأتجول على حائطي فيها فتتقتحمني تفاصيل حياة متنوعة ومختلفة لمائة وستين صديقا على القائمة، كتبوا على حيطانهم ما كتبوا من مشاعر ومتفرقات متناهية التنوع.
من بين المائتين، أبحث عن فيصل الزعبي كل صباح، وأنتظر يوم الجمعة لأقرأ خاطرته المشبعة بالتداعيات الفكرية الجميلة..أتفق أو لا أتفق مع فيصل، فتلك حكاية أخرى في ثقافة الاختلاف، لكن قراءة حائط فيصل متعة لا تضاهيها متعة في بداية الصباح لمغترب مثلي مسكون بضجيج الوطن.
في الأخبار، أن المخرج الأردني المبدع، فيصل الزعبي، تعرض لجلطة أثناء التصوير، وهو الآن في المستشفى على ذمة العلاج.
وعلى سيرة الذمة، ففي ذمتنا الكثير لفيصل، فأي دماء تلك التي حملتها شرايين فيصل، رفضت استباحتها واستعصت على الإراقة لتتجلط هكذا في دماغه؟ مفارقة سخيفة تعكس مؤامرة ضد الوعي..ضد الدماغ..دماغ فيصل.
لن أتحدث عن فيصل الفنان، فأعماله النوعية لا الكمية تتحدث عن نفسها، لكن أتحدث عن المثقف الذي جعل من باحة بيته الجميل في اللويبدة تجمعا ثقافيا وإجتماعيا، وكان يحلو لصديق من مثقفي عمان أن يسميها هايد بارك عمان.
فيصل، المتوزع بين جهد المضيف في تلبية راحة ضيوفه وتوزيع كاسات العصير وكل ما جادت به نفسه عليهم، وبين إدارة حوار يبدا فجأة من نقطة ما ولا ينتهي بتشعباته، ونعترف هنا أن فيصل هو المتحدث الرئيس دوما، وله رأي في كل شيء، بطريقته الساخرة، وانفعالاته التي تترجمها حركة جسده بكل التعابير، لتجسيد الفكرة بسخرية غالبا ما تكون سوداء، فنبتلع كبسولات الفكرة المطروحة، ونخرج من عنده مشغولين برسم القلق والتفكير.
واليوم فيصل الزعبي في المستشفى، وإمعانا في الوجع، فإن الأخبار تتحدث عن شلل ما في جسده المفعم بالإشارات..!! تواطؤ عجيب بين جسده والجلطة، لإعدام لغة حركية لا يتقنها إلا فيصل.
منذ عرفته، وفيصل يتحدث عن نية الهجرة، ولم تنعقد نيته على التنفيذ يوما، صارت عادة أن نسمع حديث الهجرة منه، وصار يقينا أنه لن يهاجر، ففيصل مسكون بالوطن وليس مجرد ساكن فيه.
قبل قليل، راودني حزن، منذ اختفى فيصل عن حائطي، ومنذ اختفى جنونه اليومي وأنا أبحث عنه في حيطان الآخرين..فأتلمس عبقرية مبدع أردني تعثر بالازدحام فوقع.
فيصل الزعبي على سرير الشفاء، ومن وثق سيرة المبدعين في الأردن بلغة بصرية مشوقة، مبدع لا يقل مستوى عنهم، ومن غربة تحت الصفر..أبث الأمنيات لفيصل، فيا فيصل صباح الورد.
مالك عثامنة - بروكسل
Malik_athamneh@hotmail.com