ما يميز الدول القوية، رغم عديد التحديات التي تواجهها ولا تقف عند حد، قدرتها، وفي أحلك الظروف، على صياغة مستقبل تشاركي بكل أطيافها وبأعلى درجات التوافقية لمواجهة مختلف الصعاب. وهذا ما يمكن وصف ما يقوم به الأردن، بإرادة القيادة وتطلعات الشعب، والذي أنهى مئويته الأولى، ولوجا إلى الثانية بخارطة طريق شاملة للإصلاح لمختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية.
وإذا ما تجاوزنا الحديث عما هو سياسي، بعد النجاح الذي حققته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وما جاءت به من مخرجات عصرية متقدمة، وما هو إداري مع تشكيل الحكومة للجنة تحديث القطاع العام، والتي ستنهي أعمالها قريبا باستراتيجية متكاملة لتطوير العمل الحكومي، فإن جل الأحاديث تنصب هذه الأيام على ما هو اقتصادي، وهو التحدي الأكبر لنا جميعا عبر السنين.
فما هي إلا أيام معدودة وتنهي ورشة العمل الاقتصادية في الديوان الملكي الهاشمي أعمالها، بمخرجات تجتمع مع بعضها بعضًا لتشكل منظومة اقتصادية عابرة للحكومات، وبضمانة ملكية حاسمة. وهذا بيت القصيد. ولعل في إنهاء أعمالها مع قدوم شهر رمضان الفضيل خير على خير.
إنه، وبحق، جهد ريادي أن يجتمع 300 من نخب الوطن الاقتصادية، ضمن 15 لجنة متخصصة، في ورشات تناقش كل ما يصب في بناء مستقبل اقتصادي واعد. ليست بالمهمة السهلة، لكن الآمال الكبيرة تحدو الجميع أن ينجح المشاركون، وليس للنجاح بديل، في بلورة استراتيجية اقتصادية وطنية تشكل عقيدة عمل الحكومات المتعاقبة، لتبني كل منها على ما أنجزته من سبقتها إيمانا، فكرا وممارسة، بثقافة العمل الحكومي المؤسسي التراكمي الذي يبني على الإنجاز تلو الإنجاز. وهذا عماد الدول المتقدمة.
إنهم يصنعون المستقبل الاقتصادي لنا جميعا بأدق التفاصيل والخطط، مرتكزين في فكرهم إلى مبادئ دولة الإنتاج، وتحقيق النمو المستدام، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وإطلاق المشاريع والاستثمارات الكبرى وفقا لميزات الأردن التنافسية، وغير ذلك الكثير، وهو ما سيسهم في مجمله في الوصول إلى مخرجات فاعلة لمحاربة البطالة والفقر، وتحسين مستويات المعيشة، وتنعكس على الأرض واقعا لحياة أفضل للجميع. وليس من المبالغة القول، في هذا المقام، إن ما يقوم به المشاركون في الورشة الاقتصادية هو جهد اقتصادي توافقي غير مسبوق في تاريخ الوطن.
لكنهم ليس من يتحمل مسؤولية النجاح وحدهم رغم أنهم يتقدمون الصفوف، فلكل واحد منا دور يقوم به، من مسؤول داعم، ووسائل إعلام وصحافة تنشر الوعي والفكر الإيجابي في المجتمع، ومواطن مؤمن بأن الغد الأفضل قادم.
صحيح أن البعض لا يرى في كل جهد وطني يبذل إلا الشك وتقليل الشأن، لكن من يؤمن بذلك سيبقى أسير السلبية وسوداوية الفكر. والأوطان لا تبنى بذلك. بل تبنى بالتخطيط السليم، وهو ما يقوم به المشاركون في الورشة الاقتصادية، والعمل الدؤوب، وهو ما سيكون نهجا للحكومات المتعاقبة لا تحيد عنه، وها هي الفرصة لذلك قد أتت بكل ما يقوم به أبناء وبنات الوطن من جهد مخلص وبضمير حي، وبرؤية ملكية سديدة تستشرف المستقبل، لتحقيق الإصلاح على مختلف المسارات والجبهات.
لنكن جميعا جزءا من ذلك، ففي إصلاحنا لواقعنا صلاحنا، وليس للنجاح بديل. ومن يقرأ تاريخ وطننا وتضحيات آبائنا وأجدادنا الجليلة يدرك أننا دوما قادرون. “وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ”.
(الغد)