مع كل حرب أو أزمة سياسية أو توتر هنا أو هناك في هذا العالم، تبرز المشكلات الاقتصادية بالتوازي مع ذلك الحدث وتؤثر على مختلف الدول، وسط ترابط كبير بين السياسة والاقتصاد، وفي الوقت الذي تؤكد فيه العديد من الدول أنها مكتفية فعلياً من السلع الأساسية، وان اقتصادها يتمتع بمتانة وقوة، إلا أن المشكلات تظهر مع بدايات كل حرب أو أزمة أو ثورة.
التغيرات الاقتصادية التي تشهدها دول العالم؛ سواء المعنية بالحروب أو الكوارث أو غيرها، تظهر مدى جاهزية اقتصاد أي دولة للتعامل مع الأحداث الطارئة، ومدى قدرته على تحمل الهزات والارتدادات الناتجة عن تلك الأحداث، وقد أظهرت الأحداث المختلفة حول العالم على مدى عقود مضت أن هذا الجاهزية والقدرة سرعان ما تتلاشى مع أول مظاهر عسكرية أو طبيعية على أرض الواقع!
هذا كله يعيدنا للقاعدة الأساسية القائمة على مبدأ الاكتفاء الذاتي لكل دولة؛ حيث تسعى معظم الدول لضمان إنتاج السلع الأساسية داخل حدودها، بينما تسعى لتأمين متطلباتها الأخرى بالتعاون مع دول صديقة، وقد ظهر في العقود الأخيرة مبدأ الشراكة في التنمية وسد الحاجات الأساسية، وذلك من خلال تقديم بعض الدول لأراضيها ومياهها لغايات الزراعة الاستثمارية، فيما تقدم الدول الأخرى التمويل المالي والدعم الفني، وهو ما يحقق الاكتفاء الذاتي من سلع زراعية محددة لكلا الطرفين.
إن الأزمات والحروب الأخيرة التي حلت في دول مختلفة حول العالم، أظهرت مدى الحاجة لوجود شراكات استراتيجية لسد الحاجات الأساسية، وبالذات من المواد الغذائية، إذ لا يعقل أن تتسبب حرب بين بلدين في قارة ما في وقف إمدادات سلع أساسية لمختلف دول العالم، وهذا ما يظهر حالياً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أصبحت إمدادات القمح والزيوت وبعض الأغذية الأساسية مهددة بسبب تحفظ تلك الدول في عمليات التصدير، رغبةً منها في تغطية احتياجاتها الداخلية.
إن التجربة التي تنتهجها بعض الدول العربية في الاستثمار في الأراضي الزراعية في دول أخرى شقيقة؛ تعتبر تجربة رائدة جديرة بالاهتمام، وقد تكون تجربة المملكة العربية السعودية في الاستثمار في زراعة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في جمهورية السودان، تجربة ناجحة ومميزة وتستحق التعميم من قبل دول أخرى، ومن المفيد أن تكون لدى دولنا العربية رؤية استراتيجية اقتصادية زراعية وتنموية واستثمارية متكاملة العناصر، تقوم على أساس المنافع المتبادلة.
ونحن في الأردن معنيون بوضع رؤية مشتركة مع دول عربية شقيقة، وأخرى صديقة في أفريقيا وغيرها، من أجل ضمان استمرارية تدفق السلع الأساسية للأسواق المحلية بأسعار معتدلة، بغض النظر عن الأزمات والحروب وغيرهما من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم بين الحين والآخر، فأعداد سكان الأردن بتزايد مستمر، وعلى الحكومات المتعاقبة التخطيط للمستقبل استراتيجياً واقتصادياً وتنموياً بوعي وحكمة.
الرأي