علينا أن نتفق أولا ان المشروع الاسرائيلي في فلسطين، ليس مجرد مشروع استعماري، بالمعنى المتعارف عليه، بل هو مشروع قائم على كينونة دينية توراتية، والكل يدرك هذا الكلام.
مناسبة التذكير هنا انه بسبب تواصل الاقتحامات الاسرائيلية للمسجد الاقصى، والمخاوف المتزايدة مما قد يحدث في شهر رمضان المقبل، يخرج علينا الشيخ محمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى المبارك، يوم امس ليحذر من حرب دينية شعواء تلوح في الأفق في حال استمرت سلطات الاحتلال بالسماح لجماعات المستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى، وهذه التصريحات غريبة حين تصدر عن رجل دين.
السبب في ذلك اننا اصلا امام مشروع سياسي ديني، ولا يعقل ان يكون المفتي قد اكتشف فجأة انه امام خطر حرب دينية، بسبب اقتحامات الاقصى والتسريبات الاسرائيلية حول ما قد يحدث في الاقصى خلال شهر رمضان، والا كان المفتي هنا، غائبا عن الوعي الوطني، ويظن طوال كل هذه العقود انه امام احتلال عادي، مثل الاحتلالات التي مرت على المنطقة وشعوب العالم.
في كل الاحوال تصريحات المفتي بحاجة الى ضبط ايقاع، لأننا فعلا امام حرب دينية ناشبة منذ اكثر من سبعين سنة، والادلة عليها كثيرة، سواء في الاقصى، او الحرم الابراهيمي في الخليل، إضافة الى ان المشروع الاسرائيلي كله قائم على فكرة دينية توراتية مرتبطة بأساطير تاريخية.
في الجزء الثاني من تصريحات المفتي يقول “إن ما تشيعه سلطات الاحتلال من مخاوف من حدوث اضطرابات في شهر رمضان المبارك، ما هو إلا مقدمة لنواياها الخبيثة التي ستنفذها ضد المسجد الأقصى المبارك، ويعبر في دلالاته عن الكثير”.. وكلام المفتي هنا مهم وصحيح لكن اللافت للانتباه انه ينسب هذا السيناريو الى الاسرائيليين، بمعنى انه يتهمهم بالتجهيز المتدرج لأحداث كبيرة سوف تحدث في المسجد الاقصى خلال الشهر الكريم، الذي تفصلنا عنه ايام قليلة.
في كل الاحوال، هناك توقعات حول ازمة خطيرة سوف تحدث في المسجد الاقصى خلال شهر رمضان المقبل، والمعلومات لدى الجانبين الاردني والفلسطيني الرسميين، تؤشر على هذا الوضع، وقد يكون هناك افتعال لأزمة داخل المسجد الاقصى ومع المصلين عبر وسائل كثيرة، من بينها خروج مظاهرات للاسرائيليين، ومحاولة اقتحام الاقصى، او التسبب بحوادث امنية، من اجل اغلاق الاقصى، وهذا يعني ان المشهد المقبل سيكون خطيرا جدا، ولا يمكن لاحد توقع نهاياته.
لقد قيل مرارا ان المشروع الاسرائيلي لن يكتمل الا برمزيته الدينية، وهذه الرمزية ترتبط بهدم الاقصى، او تقاسم الحرم القدسي، جغرافيا وزمنيا، وغير ذلك من اجراءات، تجنبتها اسرائيل طوال عقود، تخوفا من ردود الفعل، خصوصا، في ظل وجود المقدسيين والفلسطينيين، و تجارب المواجهة معهم مثلما حدث بعد الانتفاضة الثانية، وما حدث في شهر رمضان الماضي.
هذا يعني ان الاحتلال قد يخطط لحدث ما داخل المسجد الاقصى، وفي هذه الحالة فإن الكلف مرتفعة، وقد يكون متوقعا حدوث مضاعفات كبيرة،خصوصا، في هذا التوقيت الحساس.
ما يمكن قوله نهاية المطاف ان التهدئة بالمعيار الاسرائيلي لا يمكن قبولها، فليس مطلوبا من المقدسيين التهدئة وفقا لهذا المعيار، وهذا يعني ان كل الاتصالات السياسية الجارية او التي ستجري يجب ان تتركز على منع الاحتلال، من التجاوز على المقدسيين، لا الطلب من المقدسيين السكوت على تجاوزات الاحتلال، وتصرفاته التي سنراها عما قريب في القدس المحتلة.
(الغد)